الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        الشارع في إحياء الموات متحجر ما لم يتمه ، وكذا إذا أعلم عليه علامة للعمارة ، من نصب أحجار ، أو غرز خشبات ، أو قصبات ، أو جمع تراب ، أو خط خطوط ، وذلك لا يفيد الملك ، بل يجعله أحق به من غيره . وحكى ابن القطان وجها : أنه يملك به ، وهو شاذ ضعيف ، والتفريع على الصحيح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : إذا مات المتحجر ، انتقل حقه إلى ورثته . ولو نقله إلى غيره ، صار الثاني أحق به . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 287 ] وينبغي للمتحجر أن لا يزيد على قدر كفايته ، وأن لا يتحجر ما لا يمكنه القيام بعمارته . فإن خالف ، قال المتولي : فلغيره أن يحيي ما زاد على كفايته ، وما زاد على ما يمكنه بعمارته . وقال غيره : لا يصح تحجره أصلا ، لأن ذلك القدر غير متعين .

                                                                                                                                                                        قلت : قول المتولي أقوى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجر . فإن طالت المدة ولم يحي ، قال له السلطان : أحي أو ارفع يدك عنه . فإن ذكر عذرا واستمهله ، أمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة .

                                                                                                                                                                        والنظر في تقديرها إلى رأي السلطان ، ولا تتقدر بثلاثة أيام على الأصح ، فإذا مضت ولم يشتغل بالعمارة ، بطل حقه . وليس لطول المدة الواقعة بعد التحجر حد معين ، وإنما الرجوع فيه إلى العادة . قال الإمام : وحق المتحجر يبطل بطول الزمان وتركه العمارة وإن لم يرفع الأمر إلى السلطان ولم يخاطبه بشيء ، لأن التحجر ذريعة إلى العمارة ، وهي لا تؤخر عن التحجر إلا بقدر تهيئة أسبابها ، ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على تهيئة الأسباب ، كمن يتحجر ليعمر في السنة القابلة ، وكفقير يتحجر ليعمر إذا قدر ، فوجب إذا أخر وطال أن يعود مواتا كما كان ، هذا كلام الإمام . وحكى الشيخ أبو حامد مثله عن أبي إسحاق ، ثم قال : عندي أنه لا يبطل إلا بالرفع إلى السلطان ومخاطبته .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو بادر أجنبي قبل أن يبطل حق المتحجر ، فأحيا ما تحجره ، ملكه المحيي على الأصح المنصوص ، لأنه حقق سبب الملك وإن كان ظالما ، كما لو دخل في سوم أخيه [ ص: 288 ] واشترى . والثاني : لا يملك ، لئلا يبطل حق غيره .

                                                                                                                                                                        والثالث : أنه إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان ، لم يملك المحيي ، وإلا ، فيملك . والرابع : إن أخذ المتحجر في العمارة ، لم يملك المبادر ، وإلا ، فيملك . وشبهوا المسألة بالخلاف فيما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرخ غيره ، هل يملكه ؟ قلت : والأصح أيضا أنه يملكه . وكذا لو توحل ظبي في أرضه ، أو وقع الثلج فيها ، ونحو ذلك ، وقد سبقت مسائل تتعلق بهذا في كتاب الصيد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو باع المتحجر ما تحجره ، وقلنا بالصحيح : إنه لا يملك ، لم يصح بيعه عند الجمهور . وقال أبو إسحاق وغيره : يصح ، وكأنه يبيع حق الاختصاص . وعلى هذا لو باع فأحياه في يد المشتري رجل ، وقلنا : يملك ، فهل يسقط الثمن ، أم لا ، لحصول التلف بعد القبض ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : الثاني . وإذا قلنا : لا يصح البيع ، فأحياه المشتري قبل الحكم بفسخ البيع ، فهل يكون له ، أم للبائع ؟ فيه وجهان حكاهما الشاشي ، والصحيح : الأول . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لإ قطاع الإمام مدخل في الموات ، وفائدته مصير المقطع أحق بأحيائه كالمتحجر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 289 ] وإذا طالت المدة ، أو أحياه غيره ، فالحكم كما سبق في المتحجر ، ولا يقطع إلا لمن يقدر على الإحياء ، وبقدر ما يقدر عليه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية