الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا شك ) في صلاته ( من لم يكن ذلك ) أي الشك ( عادة له ) وقيل من لم يشك في صلاة قط بعد بلوغه [ ص: 93 ] وعليه أكثر المشايخ بحر عن الخلاصة ( كم صلى استأنف ) بعمل مناف وبالسلام قاعدا أولى لأنه المحل ( وإن كثر ) شكه ( عمل بغالب ظنه إن كان ) له ظن للحرج ( وإلا أخذ بالأقل ) لتيقنه ( وقعد في كل موضع توهمه موضع قعوده ) ولو واجبا لئلا يصير تاركا فرض القعود أو واجبه ( و ) اعلم أنه ( إذا شغله ذلك ) الشك فتفكر ( قدر [ ص: 94 ] أداء ركن ولم يشتغل حالة الشك بقراءة ولا تسبيح ) ذكره في الذخيرة ( وجب عليه سجود السهو في ) جميع ( صور الشك ) سواء عمل بالتحري أو بنى على الأقل فتح لتأخير الركن ، لكن في السراج أنه يسجد للسهو في أخذ الأقل مطلقا ، وفي غلبة الظن إن تفكر قدر ركن .

التالي السابق


( قوله وإذا شك ) هو تساوي الأمرين بحر وقدمناه ( قوله في صلاته ) قال في فتح القدير : قيد به لأنه لو شك بعد الفراغ منها أو بعد ما قعد قدر التشهد لا يعتبر إلا إذا وقع في التعيين فقط ، بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعينه ، قالوا : يسجد سجدة ثم يقعد ثم يصلي ركعة بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو لاحتمال أن المتروك الركوع فيكون السجود لغوا بدونه ، فلا بد من ركعة بسجدتين . ا هـ . قال في البحر : ولا حاجة إلى هذا الاستثناء لأن الكلام في الشك بعد الفراغ وهذا تيقن ترك ركن غير أنه شك في تعيينه ، نعم يستثنى ما في الخلاصة : لو أخبره عدل بعد السلام أنك صليت الظهر ثلاثا وشك في صدقه يعيد احتياطا لأن الشك في صدقه شك في الصلاة ( قوله من لم يكن ذلك عادة له ) هذا قول شمس الأئمة السرخسي واختاره في البدائع ، ونص في الذخيرة على أنه الأشبه . قال في الحلية : وهو كذلك . وقال فخر الإسلام : من لم يقع له في هذه الصلاة واختاره ابن الفضل .

( قوله وقيل إلخ ) ثمرة الخلاف تظهر فيما لو سها في صلاته أول مرة واستقبل ثم لم يسه سنين ثم سها ، فعلى قول السرخسي يستأنف لأنه لم يكن من عادته وإنما حصل له مرة واحدة والعادة إنما هي من المعاودة أي والشرط أن لا يكون معتادا له قبل هذه الصلاة ، وكذا على قول [ ص: 93 ] فخر الإسلام ، خلافا لما وقع في السراج من أنه يتحرى كما يتحرى على القول الثالث كما في البحر . وفي عبارة النهر هنا سهو فاجتنبه .

( قوله كم صلى ) أشار بالكمية إلى أن الشك في العدد ، فلو في الصفة كما لو شك في ثانية الظهر أنه في العصر وفي الثالثة أنه في التطوع وفي الرابعة أنه في الظهر ، قالوا : يكون في الظهر ، ولا عبرة بالشك وتمامه في البحر .

( قوله استأنف بعمل مناف إلخ ) فلا يخرج بمجرد النية ، كذا قالوا . وظاهره أنه لا بد من العمل فلو لم يأت بمناف وأكملها على غالب ظنه لم تبطل إلا أنها تكون نفلا ويلزمه أداء الفرض ، ولو كانت نفلا ينبغي أن يلزمه قضاؤه وإن أكملها لوجوب الاستئناف عليه بحر ، وأقره في النهر والمقدسي .

( قوله وإن كثر شكه ) بأن عرض له مرتين في عمره على ما عليه أكثرهم ، أو في صلاته على ما اختاره فخر الإسلام . وفي المجتبى : وقيل مرتين في سنة ، ولعله على قول السرخسي بحر ونهر .

( قوله للحرج ) أي في تكليفه بالعمل باليقين .

( قوله وإلا ) أي وإن لم يغلب على ظنه شيء ، فلو شك أنها أولى الظهر أو ثانيته يجعلها الأولى ثم يقعد لاحتمال أنها الثانية ثم يصلي ركعة ثم يقعد لما قلنا ثم يصلي ركعة ويقعد لاحتمال أنها الرابعة ثم يصلي أخرى ويقعد لما قلنا ، فيأتي بأربع قعدات قعدتان مفروضتان وهما الثالثة والرابعة ، وقعدتان واجبتان ; ولو شك أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد ثم صلى أخرى وقعد ثم الرابعة وقعد ، وتمامه في البحر وسيذكر عن السراج أنه يسجد للسهو .

( قوله ولو واجبا ) معطوف على محذوف أي فرضا كان القعود ولو واجبا أو إذا كان فرضا ولو واجبا فكذلك على حذف جواب لو الشرطية فالتعليل ناظر إلى المذكور والمحذوف .

هذا وقول الهداية والوقاية يقعد في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته يدل على أنه لا يقعد على الثانية والثالثة ، ولذا نسبه في الفتح إلى القصور . واعتذر عنه في البحر بأن فيه خلافا فلعله بناه على أحد القولين وإن كان الظاهر القعود مطلقا . ا هـ .

قلت : لكن في القهستاني عن المضمرات أن الصحيح أنه لا يقعد على الثانية والثالثة لأنه مضطر بين ترك الواجب وإتيان البدعة ، والأول أولى من الثاني ، ثم قال : لكن فيه اختلاف المشايخ ا هـ .

أقول : يؤيد ما في الفتح ما صرحوا به في عدة كتب أن ما تردد بين البدعة والواجب يأتي به احتياطا ، بخلاف ما تردد بين البدعة والسنة .

( قوله واعلم إلخ ) قال في المنية وشرحها الصغير : ثم الأصل في التفكر أنه إن منعه عن أداء ركن كقراءة آية أو ثلاث أو ركوع أو سجود أو عن أداء واجب كالقعود يلزمه السهو لاستلزام ذلك ترك الواجب وهو الإتيان بالركن أو الواجب في محله ، وإن لم يمنعه عن شيء من ذلك بأن كان يؤدي الأركان ويتفكر لا يلزمه السهو . وقال بعض المشايخ : إن منعه التفكر عن القراءة أو عن التسبيح يجب عليه سجود السهو وإلا فلا ، فعلى هذا القول لو شغله عن تسبيح الركوع وهو راكع مثلا يلزمه السجود ، وعلى القول الأول لا يلزمه وهو الأصح ا هـ وبه علم أن قول المصنف ولا تسبيح مبني على خلاف الأصح وقول البعض ودخل في قوله أو عن أداء واجب ما لو شغله عن السلام لما في الظهيرية : لو شك بعد ما قعد قدر التشهد أصلى ثلاثة أو أربعا حتى شغله ذلك عن السلام ثم استيقن وأتم صلاته فعليه السهو . ا هـ . وعلله في البدائع بأنه أخر الواجب وهو السلام . ا هـ . وظاهره لزوم السجود وإن كان مشتغلا بقراءة الأدعية أو الصلاة ، وهو مبني على ما قاله شمس الأئمة ، من أنه ليس المراد [ ص: 94 ] أن يشغله التفكر عن ركن أو واجب فإن ذلك يوجب سجدتي السهو بالإجماع ، وإنما المراد به شغل قلبه بعد أن تكون جوارحه مشغولة بأداء الأركان ، ومثله ما في الذخيرة ، من أنه لو كان في ركوع أو سجود فطول في تفكره وتغير عن حاله بالتفكر فعليه سجود السهو استحسانا لأنه وإن كان تفكره ليس إلا إطالة القيام أو الركوع أو السجود ، وهذه الأذكار سنة لكنه أخر واجبا أو ركنا لا بسبب إقامة السنة بل بسبب التفكر ، وليس التفكر من أعمال الصلاة . ا هـ .

قلت ; والحاصل أنه اختلف في التفكر الموجب للسهو ، فقيل ما لزم منه تأخير الواجب أو الركن عن محله بأن قطع الاشتغال بالركن أو الواجب قدر أداء ركن وهو الأصح ، وقيل مجرد التفكر الشاغل للقلب وإن لم يقطع الموالاة ، وهذا كله إذا تفكر في أفعال هذه الصلاة ; أما لو تفكر في صلاة قبلها هل صلاها أم لا ، ففي المحيط أنه ذكر في بعض الروايات أنه لا سهو عليه وإن أخر فعلا ; كما لو تفكر في أمر من أمور الدنيا حتى أخر ركنا وفي رواية يلزمه لتمكن النقص في صلاته لأنه يجب عليه حفظ تلك الصلاة حتى يعلم جواز صلاته هذه بخلاف أعمال الدنيا فإنه لم يجب عليها حفظها . واستظهر في الحلية هذه الرواية ، وأنه لو لزم ترك الواجب بالتفكر في أمور الدنيا يلزمه السجود أيضا . واستظهر أيضا القول الأول بأن الملزم للسجود ما كان فيه تأخير الواجب أو الركن عن محله ، إذ ليس في مجرد التفكر مع الأداء ترك واجب ، وتمام الكلام فيها وفي فتاوى العلامة قاسم ( قوله سواء عمل بالتحري ) أي بأن غلب على ظنه أنها الركعة الثانية مثلا ، وقوله أو بنى على الأقل : أي بأن لم يغلب على ظنه شيء وأخذ بالأقل .

( قوله لكن في السراج إلخ ) استدراك على ما في الفتح من لزوم السجود في الصورتين ، وقوله مطلقا أي سواء تفكر قدر ركن أو لا ، وهذا التفصيل هو الظاهر لأن غلبة الظن بمنزلة اليقين ، فإذا تحرى وغلب على ظنه شيء لزمه الأخذ به ، ولا يظهر وجه لإيجاب السجود عليه إلا إذا طال تفكره غلى التفصيل المار ، بخلاف ما إذا بنى على الأقل لأن فيه احتمال الزيادة كما أفاد في البحر




الخدمات العلمية