الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2482 1 - حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن جابر رضي الله عنه قال : قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعمرى أنها لمن وهبت له .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله ما قيل في العمرى ، وهذا الذي رواه جابر هو الذي قيل فيها .

                                                                                                                                                                                  وأبو نعيم - بضم النون - الفضل بن دكين ، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي ، ويحيى هو ابن أبي كثير ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه بقية الستة : مسلم في الفرائض عن القواريري عن جماعة غيره ، وأبو داود في البيوع عن موسى بن إسماعيل وغيره ، والترمذي في الأحكام عن إسحاق بن موسى الأنصاري ، والنسائي في العمرى عن عبد الأعلى وغيره ، وابن ماجه في الأحكام عن محمد بن رمح به - ومعنى حديثهم واحد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قضى النبي صلى الله عليه وسلم ) ; أي حكم بالعمرى ، أي بصحتها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أنها ) ; أي بأنها ، أي بأن الهبة " لمن وهبت له " ، و " وهبت " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم حديث جابر بألفاظ مختلفة وأسانيد متباينة ، أخرج عن أبي سلمة ولفظه : العمرى لمن وهبت له . وعن أبي سلمة أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها ، لا ترجع إلى الذي أعطاها " ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث . وعن أبي سلمة عنه أيضا ، ولفظه : قال صلى الله تعالى عليه وسلم : أيما رجل أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقال قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد ، فإنها لمن أعطيها ، وإنها لا ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطاها عطاء وقعت فيه المواريث . وعن أبي سلمة أيضا عن جابر قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقول هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها . قال معمر : وكان الزهري يفتي به . وعن [ ص: 180 ] أبي سلمة أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة ، لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا ثنيا . قال أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، فقطعت المواريث شرطه .

                                                                                                                                                                                  وأخرج مسلم أيضا من رواية أبي الزبير عن جابر يرفعه إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها ، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها - حيا أو ميتا - ولعقبه . وعن أبي الزبير أيضا عنه قال : أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ، ثم توفي وتوفيت بعده ، وترك ولدا بعده وله إخوة بنون للمعمرة ، فقال ولد المعمرة : رجع الحائط إلينا . فقال بنو المعمر : بل كان لأبينا حياته وموته . فاختصموا إلى طارق مولى عثمان ، فدعا جابرا فشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرى لصاحبها ، فقضى بذلك طارق ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره بذلك وأخبره بشهادة جابر ، فقال عبد الملك : صدق جابر . فأمضى ذلك طارق بأن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم .

                                                                                                                                                                                  وأخرج مسلم أيضا من حديث عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرى جائزة .

                                                                                                                                                                                  وأخرج أيضا عن عطاء عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : العمرى ميراث لأهلها . وقد مر الكلام فيه مفصلا في أول الباب .

                                                                                                                                                                                  وبهذه الأحاديث احتج أبو حنيفة والثوري والشافعي والحسن بن صالح وأبو عبيد على أن العمرى له يملكها ملكا تاما يتصرف فيها تصرف الملاك ، واشترطوا فيها القبض على أصولهم في الهبات .

                                                                                                                                                                                  وذهب القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط ويحيى بن سعيد الأنصاري والليث بن سعد ومالك إلى أن العمرى جائزة ولكنها ترجع إلى الذي أعمرها ، واحتجوا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون عند شروطهم . أخرجه الطحاوي وأبو داود من حديث أبي هريرة ، وأجاب عنه الطحاوي بأن هذا على الشروط التي قد أباح الكتاب اشتراطها وجاءت بها السنة وأجمع عليها المسلمون ، وما نهى عنه الكتاب ونهت عنه السنة فهو غير داخل في ذلك ، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال في حديث بريرة : كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كان مائة شرط .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية