الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن اعتبر أحوال الناس وجد كثيرا منهم يندم على المبيع ، وكثيرا ما يكون لارتفاع السعر ، فيسعى في الفسخ إن لم يتمكن من المنع بيده ، وإلا فإذا تمكن من ذلك فهنا إذا باع قبل القبض فإنه كثيرا ما يفضي إلى ندم البائع ، فيكون قد باع ما ليس عنده ، ويحصل الضرر للمشتري الثاني ، بأن يشتري ما يظن أنه يتمكن من قبضه ، فيحال بينه وبينه ، وهذا من بيع الغرر . وهذا بخلاف ما لو كان بيده ودفعه له ، فإنه لا يطمع أن يكون الربح له . وكذلك الموروث لا حق فيه لغير الوارث .

وعلى هذا فالأقوى أنه يجوز فيه التولية والشركة ، كما قال مالك [ ص: 303 ] وغيره ؛ لأن المحذور إنما يقع إذا كان هناك ربح ، ولا ربح في التولية والشركة . وكذلك يجوز بيعه من بائعه ؛ لأنه لا محذور فيه ، وقد قال ابن عباس : لا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام ، وروى أنه نهي عن بيع ما لم يقبض . ولا ريب أن الضرر يقع في الطعام أكثر ، ويقع أيضا في غيره ، فلا ينبغي أن يباع شيء حتى يقبض ، وإن كان مضمونا على المشتري كالصبرة من الطعام ، وقد يكون مضمونا على البائع ويجوز بيعه ، كالتمر إذا بدا صلاحه ولم يتم ، فكونه مضمونا على هذا أو على هذا غير ملازم لجواز بيعه والتصرف فيه .

وهذه طريقة الخرقي وغيره ، وهي أصح الطرق ، فالصبرة من الطعام قد ثبت عن ابن عمر أنه من ضمان المشتري ، وأنهم كانوا ينهون عن بيعها حتى ينقلوها ، والثمر على الشجر قد ثبت أنه من ضمان البائع حتى يكمل صلاحه ، لأن المشتري لم يتمكن من جداده . ومع هذا فالصحيح أنه يجوز بيعه ؛ لأن قبضه غير ممكن إلا بالتخلية ، وقد خلي بينه وبينه ، كالعقار إذا خلي بينه وبينه ، وكمال الصلاح إلى الله لا إلى الناس . ولأنه في هذه الحالة كالمنفعة في الإجارة قبضت من وجه دون وجه ، قبضت العين وما استوفيت المنفعة . كذلك هنا خلي بينه وبينه بحيث لو أراد المشتري أن يأخذه حصرما وبلحا كان له ذلك . [ ص: 304 ]

وليست الهبة وغيرها كالبيع ، فإنه لا ربح هناك ، فيجوز فيه . وما ملك بغير البيع فلا يقصد به الربح ، فيجوز التصرف فيه قبل قبضه ؛ إذ ليس ذلك بمنصوص ولا في معنى المنصوص ، فلا يجوز منع الإنسان من التصرف في ملكه بغير حجة شرعية . فهذا هذا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية