الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ إحاطة الأوامر الشرعية بأفعال المكلفين ]

وهذه الجملة إنما تنفصل بعد تمهيد قاعدتين عظيمتين : إحداهما : أن الذكر الأمري محيط بجميع أفعال المكلفين أمرا ونهيا وإذنا وعفوا ، كما أن الذكر القدري محيط بجميعها علما وكتابة وقدرا ، فعلمه وكتابه وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده الواقعة تحت التكليف وغيرها ، وأمره ونهيه وإباحته وعفوه قد أحاط بجميع أفعالهم التكليفية ، فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد الحكمين : إما الكوني ، وإما الشرعي الأمري ، فقد بين الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به وجميع ما نهى عنه وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه ، وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدلالة وموقعها ، وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله ، ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء في العلم ، ولما خص - سبحانه - سليمان بفهم الحكومة في الحرث ، وقد أثنى عليه وعلى داود بالعلم والحكم . وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه " الفهم الفهم فيما أدلي إليك " .

وقال علي " إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه " ، وقال أبو سعيد : كان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم { ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل ، } والفرق بين الفقه والتأويل أن الفقه هو فهم المعنى المراد ، والتأويل إدراك الحقيقة التي يئول إليها المعنى التي هي أخيته وأصله ، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل ، فمعرفة التأويل يختص به الراسخون في العلم ، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى ; فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه والله يعلم بطلانه

التالي السابق


الخدمات العلمية