الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  239 [ ص: 181 ] 104 - حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر فهو حرام.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة: بالجر الثقيل، وكان موضعه كتاب الأشربة، وجه ذلك أن الشراب إذا كان مسكرا يكون شربه حراما، فكذلك لا يجوز التوضؤ به، وقال الكرماني : لخروجه عن اسم الماء في اللغة والشريعة، وكذلك النبيذ غير المسكر أيضا هو في معنى المسكر من جهة أنه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أن يسمى النبيذ ماء؛ لأن فيه ماء، جاز أن يسمى الخل ماء؛ لأن فيه ماء، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: كون النبيذ الغير مسكر في معنى المسكر غير صحيح؛ لأن النبيذ الذي لا يسكر إذا كان رقيقا، وقد ألقيت فيه تميرات لتخرج حلاوتها إلى الماء ليس في معنى المسكر أصلا، ولا يلزم أن يكون النبيذ الذي كان مع ابن مسعود في معنى النبيذ المسكر، ولم يقل به أحد، ولا يلزم من عدم جواز تسمية الخل ماء عدم جواز تسمية النبيذ الذي ذكره ابن مسعود ماء، ألا ترى أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كيف قال: " تمرة طيبة وماء طهور "، حين سأل ابن مسعود : ما في إدواتك؟ قال: نبيذ، وقد أطلق عليه الماء، ووصفه بالطهورية، فكيف ذهل الكرماني عن هذا حتى قال ما قاله ترويجا لما ذهب إليه، والحق أحق أن يتبع.

                                                                                                                                                                                  الإداوة بكسر الهمزة إناء صغير يتخذ من جلد للماء كالسطيحة ونحوها، وجمعها أداوى، ثم قال الكرماني وقال أبو عبيدة إمام اللغة: النبيذ لا يكون طاهرا؛ لأن الله تعالى شرط الطهور بالماء والصعيد، ولم يجعل لهما ثالثا، والنبيذ ليس منهما، قلت: الكلام مع أبي عبيدة؛ لأنه إن أراد به مطلق النبيذ، فغير مسلم؛ لأن فيه مصادمة الحديث النبوي، وإن أراد به النبيذ الخاص، وهو الغليظ المسكر، فنحن أيضا نقول بما قاله.

                                                                                                                                                                                  (بيان رجاله) وهم خمسة: الأول علي بن عبد الله المديني ، وقد تقدم غير مرة. الثاني: سفيان بن عيينة، وقد تقدم غير مرة. الثالث: محمد بن مسلم الزهري . الرابع: أبو سلمة بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدم في كتاب الوحي. الخامس: عائشة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  (بيان لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أن رواته ما بين مديني، ومدني، ومكي، وفيه رواية التابعي عن التابعي.

                                                                                                                                                                                  (بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري ها هنا عن علي، عن سفيان، وفي الأشربة عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، وعن أبي اليمان، عن شعيب، ثلاثتهم عن الزهري به، وأخرجه مسلم في الأشربة عن يحيى بن يحيى، عن مالك به، وعن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، وسعيد بن منصور، خمستهم عن سفيان به، وعن حرملة بن يحيى، عن أبي وهب، عن يونس، وعن حسن الحلواني، وعبد بن حميد، كلاهما عن يعقوب، وعن إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر، ثلاثتهم عن الزهري به، وفي حديث معمر : " كل شراب مسكر حرام "، وأخرجه أبو داود، فيه عن القعنبي، عن مالك به، وعن يزيد بن عبد ربه، وأخرجه الترمذي، عن إسحاق بن موسى، عن معن، عن مالك به، وعن يزيد بن عبد ربه، وأخرجه الترمذي، عن إسحاق بن موسى، عن معن، عن مالك به، وأخرجه النسائي، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، وعن قتيبة بن سعيد، كلاهما عن مالك به، وعن ابن قتيبة، عن سفيان به، وعن علي بن ميمون، عن بشر بن السري، عن عبد الرزاق به، وفيه وفي الوليمة عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر به، وأخرجه ابن ماجه في الأشربة، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان به.

                                                                                                                                                                                  (بيان معناه وحكمه) قوله: " كل شراب " أي كل واحد من أفراد الشراب المسكر حرام؛ وذلك لأن كلمة كل إذا أضيفت إلى النكرة تقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى المعرفة تقتضي عموم الأجزاء، وقال بعضهم: قوله: " كل شراب أسكر" أي كان من شأنه الإسكار، سواء حصل بشربه الإسكار أم لا، قلت: ليس معناه كذا؛ لأن الشارع أخبر بحرمة الشراب عند اتصافه بالإسكار، ولا يدل ذلك على أنه يحرم إذا كان يسكر في المستقبل، ثم نقل عن الخطابي فقال: قال الخطابي : فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان؛ لأنها صيغة عموم أشير بها إلى جنس الشراب الذي يكون منه السكر، فهو كما قال: كل طعام أشبع فهو حلال، فإنه يكون دالا على حل كل طعام من شأنه الإشباع، وإن لم يحصل الشبع به لبعض، قلت: قوله: قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان لا يمشي في كل شراب، إنما ذلك في الخمر، لما روي عن ابن عباس [ ص: 182 ] رضي الله تعالى عنهما موقوفا، ومرفوعا: " إنما حرمت الخمرة بعينها، والمسكر من كل شراب "، فهذا يدل على أن الخمر حرام قليلها، وكثيرها أسكرت أو لا، وعلى أن غيرها من الأشربة إنما يحرم عند الإسكار، وهذا ظاهر، فإن قلت: ورد عنه صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام "، قلت: طعن فيه يحيى بن معين، ولئن سلم فالأصح أنه موقوف على ابن عمر، ولهذا رواه مسلم بالظن، فقال: لا أعلمه إلا مرفوعا، ولئن سلم فمعناه: كل ما أسكر كثيره فحكمه حكم الخمر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية