الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5665 حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال سمعته يقول سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع قوله : ( زكريا ) هو ابن أبي زائدة ، وعامر هو الشعبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ترى المؤمنين في تراحمهم ) قال ابن أبي جمرة المراد من يكون إيمانه كاملا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتوادهم ) بتشديد الدال ، والأصل التوادد فأدغم ، والتوادد تفاعل من المودة ، والود والوداد بمعنى وهو تقرب شخص من آخر بما يحب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتعاطفهم ) قال ابن أبي جمرة : الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف ، فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء [ ص: 454 ] آخر ، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب المحبة كالتزاور والتهادي ، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثوب عليه ليقويه ا ه ملخصا . ووقع في رواية الأعمش عن الشعبي وخيثمة فرقهما عن النعمان عند مسلم المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وفي رواية خيثمة اشتكى وإن اشتكى رأسه كله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كمثل الجسد ) أي بالنسبة إلى جميع أعضائه ، ووجه التشبيه فيه التوافق في التعب والراحة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تداعى ) أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في الألم ، ومنه قولهم تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بالسهر والحمى ) أما السهر فلأن الألم يمنع النوم ، وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها .

                                                                                                                                                                                                        وقد عرف أهل الحذق الحمى بأنها حرارة غريزية تشتعل في القلب فتشب منه في جميع البدن فتشتعل اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية . قال القاضي عياض : فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح ، وفيه تقريب للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية ، وفيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا . وقال ابن أبي جمرة : شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء ، لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف ، فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شأن ذلك الإخلال الأصل ، وكذلك الجسد أصل كالشجرة وأعضاؤه كالأغصان ، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية