الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 24 ] في وقت النية .

                الأصل أن وقتها أول العبادات ونحوها . وخرج عن ذلك الصوم ، فجوز تقديم نيته على أول الوقت ، لعسر مراقبته ثم سرى ذلك إلى أن وجب . فلو نوى مع الفجر لم يصح في الأصح .

                قلت : وعلى حده جواز تأخير نية صوم النفل عن أوله . وبقي نظائر يجوز فيها تقديم النية على أول العبادة .

                منها : الزكاة ، فالأصح فيها جواز التقديم للنية على الدفع للعسر ، قياسا على الصوم ، وفي وجه : لا يجوز ، بل يجب حالة الدفع إلى الأصناف ، أو الإمام ، كالصلاة .

                ومنها : الكفارة ، وفيها الوجهان في الزكاة . وذكر في الفرق بين الزكاة والكفارة وبين الصلاة أنهما يجوز تقديمهما على وجوبهما فجاز تقديم نيتهما ، بخلاف الصلاة ، وأنهما تقبلان النيابة ، بخلافها .

                قلت : الأول ينتقض بالصوم ، والثاني بالحج .

                ومنها : الجمع ، فإن نيته في الصلاة الأولى ، ولو كان في أول العبادة لكان في أول الصلاة الثانية ; لأنها المجموعة . وإن جعلت الأولى أول العبادة فهو مما جاز فيه التأخير عن أولها ; لأن الأظهر جواز النية في أثنائها ، ومع التحلل منها ، وفي قول : لا يجوز إلا في أول الأولى ، وفي وجه : لا يجوز مع التحلل ، وفي آخر : يجوز بعده قبل الإحرام بالثانية قال في شرح المهذب : وهو قوي .

                ومنها : نية التمتع على الوجه القائل به ، وفيه الأوجه في الجمع ، فالأصح أن وقتها ما لم يفرغ من العمرة ، والثاني : حالة الإحرام بها ، والثالث : بعد التحلل منها ، ما لم يشرع في الحج .

                ومنها : نية الأضحية ، يجوز تقديمها على الذبح ولا يجب اقترانها في الأصح ، ويجوز عند الدفع إلى الوكيل في الأصح .

                ومنها : في غير العبادات نية الاستثناء في اليمين ، فإنها تجب قبل فراغ اليمين مع وجوبها في الاستثناء أيضا .

                فرع :

                مما جرى على هذا الأصل من اعتبار النية أول الفعل : ما نقله في الروضة وأصلها عن فتاوى البغوي ، وأقره : أنه لو ضرب زوجته بالسوط عشر ضربات ، فصاعدا متوالية فماتت ; فإن قصد في الابتداء العدد المهلك وجب القصاص ، وإن قصد تأديبها بسوطين أو ثلاثة ، ثم بدا له فجاوز فلا ; لأنه اختلط العمد بشبه العمد .

                [ ص: 25 ] تنبيهات الأول :

                ما أوله من العبادات ذكر ، وجب اقترانها بكل اللفظ . وقيل : يكفي بأوله ، فمن ذلك الصلاة . ومعنى اقترانها بكل التكبير : أن يوجد جميع النية المعتبرة عند كل حرف منه ، ومعنى الاكتفاء بأوله : أنه لا يجب استصحابها إلى آخره ، واختاره الإمام والغزالي .

                ونظير ذلك : نية كناية الطلاق . وفيها الوجهان ، قال في المنهاج : وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ ، وقيل : يكفي بأوله ، ورجح في أصل الروضة خلافهما فقال : ولو اقترنت بأول اللفظ دون آخره ، أو عكسه طلقت في الأصح . والذي في الشرح : نقل ترجيح الوقوع في اقترانها بأوله عن الإمام والغزالي . قال : وسكتا عن الترجيح في اقترانها بآخره خاصة . وهو يشعر بأنهما رأيا فيه البطلان .

                وفي الشرح الصغير : في الأولى الأظهر الوقوع ، وميل الإمام في الثانية إلى ترجيح عدمه ، ثم حكى الرافعي عن المتولي : أنه قرب الخلاف في الأولى من الخلاف فيما إذا اقترنت نية الصلاة بأول التكبير ، دون آخره ، والخلاف في الثانية من الخلاف في نية الجمع في أثناء الصلاة .

                قال الرافعي : وقضيته أنه إذا كان الوقوع في الأولى أظهر ففي الثانية أولى ; لأن الأظهر في اقتران النية بأول التكبير عدم الانعقاد ، وفي الجمع الصحة . وهذا هو الذي حمل النووي على تصحيح الوقوع فيهما .

                وهنا دقيقة : وهو أن الرافعي مثل اقترانها بأوله دون آخره : بأن توجد عند قوله " أنت " ، وقال في المهمات : المعتبر اقترانها بلفظ الكناية : إما كله وإما بعضه ، لأن القصد منها تفسير إرادة الطلاق به ، فلا عبرة باقترانها بلفظ " أنت " ، قال : وقد صرح بهذا البندنيجي والماوردي وغيرهما .

                قلت : ونظير ذلك في الصلاة أن يقال : المعتبر اقترانها باللفظ الذي يتوقف الانعقاد عليه ، وهو " الله أكبر " ، فلو قال : الله الجليل أكبر ، فهل يجب اقترانها بالجليل ؟ محل نظر ، ولم أر من ذكره ، وفي الكواكب للإسنوي : إذا كتب : زوجتي طالق ، ونوى وقع الطلاق في الأصح . قال : والقياس اشتراط النية في جميع اللفظ الذي لا بد منه ، لا في لفظ الطلاق خاصة ; لأنا إنما اشترطنا النية فيه لكونه غير ملفوظ به ، لا لانتفاء الصراحة فيه . وهذا المعنى موجود في الجميع ، وحينئذ فينوي الزوجة حين يكتب " زوجتي " ، والطلاق حين يكتب " طالق " انتهى .

                ونظير ذلك أيضا : كنايات البيع وسائر العقود ، قال في الخادم : سكتوا عن وقتها ، ويحتمل أن يأتي فيها ما في الطلاق ، ويحتمل المنع ، واشتراط وجودها في جميع اللفظ .

                [ ص: 26 ] ويفرق بأن الطلاق مستقل بنفسه ، بخلاف البيع ونحوه .

                ومن ذلك الوضوء والغسل ، فيستحب اقتران النية فيهما بالتسمية ، كما صرح به في شرح المهذب . وعبارته في باب الغسل : ويستحب أن يبتدئ بالنية مع التسمية ، ولم يستحضره الإسنوي فنقله عن المحب الطبري ، وعبارته : والأولى أن تقارنها النية ; لأن تقديم النية عليها يؤدي إلى خلو بعض الفرائض عن التسمية ، والعكس يؤدي إلى خلو بعض السنن عن النية .

                ومن ذلك : الإحرام ، فينبغي أن يقال بمقارنة النية التلبية وهو ظاهر ، كما يفهم من كلامهم وإن لم يصرحوا به .

                ومن ذلك : الطواف ، وينبغي اقتران نيته بقوله " بسم الله والله أكبر " .

                ومن ذلك : الخطبة ، إن أوجبنا نيتها ، والظاهر وجوب اقترانها بقوله " الحمد لله " لأنه أول الأركان .

                التنبيه الثاني : قد يكون للعبادة أول حقيقي ، وأول نسبي ، فيجب اقتران النية بهما .

                من ذلك : التيمم ، فيجب اقتران نيته بالنقل ; لأنه أول المفعول من أركانه ، وبمسح الوجه ; لأنه أول الأركان المقصودة ، والنقل وسيلة إليه .

                ومن ذلك : الوضوء والغسل ، فيجب للصحة اقتران نيتهما بأول مغسول من الوجه والبدن ، ويجب للثواب اقترانهما بأول السنن السابقة ، ليثاب عليها ، فلو لم يفعل لم يثب عليها في الأصح لأنه لم ينوها .

                وفي نظيره من الصوم : لو نوى أثناء النهار حصل له ثواب الصوم من أوله ، وخرج منه وجه في الوضوء ; لأنه من جملة طهارة منوية ، ولكن فرق بأن الصوم خصلة واحدة فإذا صح بعضها صح كلها ، والوضوء أفعال متغايرة ، فالانعطاف فيها بعيد ، وبأنه لا ارتباط لصحة الوضوء بما قبله ، بخلاف إمساك أول النهار .

                والوجهان جاريان فيمن أكل بعض الأضحية وتصدق ببعضها ، هل يثاب على الكل أو على ما تصدق به ؟ قال الرافعي : وينبغي أن يقال : له ثواب التضحية بالكل والتصدق بالبعض .

                ومن نظائر ذلك : نية الجماعة في الأثناء ، أما في أثناء صلاة الإمام وفي أول صلاة المأموم فلا شك في حصول الفضيلة ، لكن هل هي فضيلة الجماعة الكاملة أو لا ؟ سيأتي تحرير القول في ذلك ، فإن قلنا بالأول فقد عادت النية بالانعطاف ، وبه صرح بعض شراح الحديث . وأما في أثناء صلاة المأموم ، فإن الصلاة تصح في الأظهر ، لكن تكره [ ص: 27 ] كما في شرح المهذب . وأخذ من ذلك بعض المحققين عدم حصول الفضيلة بالكلية ، لا أصلا ولا انعطافا ، وسيأتي .

                ومن النظائر المهمة : وقت نية الإمامة ، ولم يتعرض الشيخان لهذه المسألة ، وفيها اختلاف . قال صاحب البيان : عند حضور من يريد الاقتداء به ; لأنه قبل ذلك ليس بإمام . وارتضاه ابن الفركاح ، فعلى هذا : يأتي الانعطاف وقال الجويني : عند التحرم . قال الأذرعي وهو : الصواب ، ومقتضى كلام الأصحاب .

                قلت : صدق وبر ، فإن الأصحاب صححوا اشتراطها في الجمعة ، فلو لم يأت بها في التحرم لم تنعقد جمعته .

                ومنها : وقت نية الاغتراف ، هل هو عند وضع يده في الماء ، أو عند انفصاله ؟ قال في الخادم : ينبغي أن يتخرج على الوجهين المحكيين عن القاضي حسين : أن الماء هل يحكم باستعماله إذا لم ينوها من إدخال اليد ، أو من انفصالها عن الماء ؟ قال : والأشبه الثاني .

                التنبيه الثالث : العبادات ذات الأفعال يكتفى بالنية في أولها ، ولا يحتاج إليها في كل فعل ، اكتفاء بانسحابها عليها كالوضوء والصلاة ، وكذا الحج ، فلا يحتاج إلى إفراد الطواف والسعي والوقوف بنية على الأصح .

                ثم منها ما يمنع فيه ذلك ، ومنها ما لا يمنع ، ومنها ما يشترط أن لا يقصد غيره ، ومنها ما لا يشترط .

                من الأول الصلاة ، فلا يجوز تفريق النية على أركانها .

                ومن الثاني : الحج فيجوز نية الطواف والسعي والوقوف ، بل هو الأكمل ، وفي الوضوء وجهان :

                أحدهما : لا يجوز كالصلاة ، والأصح الجواز . والفرق أن الوضوء يجوز تفريق أفعاله ، فجاز تفريق نيته بخلاف الصلاة .

                ولتفريق النية فيه صور : الأولى أن ينوي عند كل عضو رفع حدثه .

                الثانية : أن ينوي رفع حدث المغسول دون غيره .

                الثالثة : أن ينوي رفع الحدث عند كل عضو ويطلق ، صرح بها ابن الصلاح .

                ومن الثالث : الوضوء والصلاة والطواف والسعي ، فلو عزبت نيته ثم نوى التبرد لم يحسب المفعول حتى يجدد النية ، أو هوى لسجود تلاوة فجعله ركوعا ، أو ركع ففزع من شيء ، فرفع رأسه ، أو سجد فشاكته شوكة فرفع رأسه ، لم يجزه فعليه العود واستئناف الركوع والرفع ، ولو طاف للحج بلا نية وقصد ملازمة غريمه لم يحسب عن الطواف .

                ومن ذلك : مسألة الحامل فإذا حمل محرم عليه طواف محرما وطاف به وقصد الحامل الطواف عن المحمول فقط دون نفسه ، وقع للمحمول فقط على الأصح ; لأنه [ ص: 28 ] صرف الطواف لغرض آخر ، ولو قصد نفسه أو كليهما وقع للحامل فقط ، وكذا لو لم يقصد شيئا ، كما في شرح المهذب ، ولو نام في الطواف على هيئة لا تنقض الوضوء قال إمام الحرمين : هذا يقرب من صرف النية إلى طلب الغريم . قال : ويجوز أن يقطع بصحة الطواف ، لأنه لم يصرف الطواف إلى غير النسك ، ولا يضر كونه غير ذاكرها .

                قال النووي : وهذا أصح .

                قلت : ونظيره في الوضوء ، لو نام قاعدا ، ثم انتبه في مدة يسيرة ، لم يجب تجديد النية في الأصح ، كما في شرح المهذب ، ولو أمر بصب الماء في وضوئه ، فصب عليه ناسيا بعد ما غسل بعض أعضائه بنفسه فإنه يصح ، ذكره فيه أيضا .

                ومن الرابع : الوقوف ، فالأصح أنه لا يضر صرفه إلى غيره ، فلو مر بعرفات في طلب آبق أو ضالة ، ولا يدري أنها عرفات صح وقوفه . قال الإمام : والفرق بينه وبين مسألة صرف الطواف أن الطواف قد يقع قربة مستقلة ، بخلاف الوقوف ، ولهذا لو حمله في الوقوف أجزأ عنهما مطلقا ; بخلاف الطواف .

                ( تنبيه )

                من مشكلات هذا الأصل : ما سمعته من بعض مشايخي ، أن الأصح إيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة ، وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله ، وعندي : أن العكس كان أولى ; لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة ; لأنه آكد ، بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد ; بخلاف ما إذا تلا الإمام ولم يسجد ، والذي يظهر لي في توجيه ذلك ، إن صح أن يقال : التلاوة من لوازم الصلاة ، فكأن الناوي عند نيتها مستحضر لها ، وفي ذكره تعرض لها ، وليس السهو نفسه من لوازم الصلاة ، بل وقوعه فيها خلاف الغالب ، فلم يكن في النية إيماء إليه ولا ادكار .

                ونظير ذلك : فدية المحظورات في الحج والعمرة ، فإنه لا بد لها من النية . ولا يقال : يكتفى بنية الإحرام ; لأنها ليست من لوازم الإحرام ، ولا من ضرورياته . بخلاف طواف القدوم مثلا ، فإنه وإن لم يكن من ماهية الحج ، ولا أبعاضه ، ولا هيئاته ، بل هو أجنبي منه محض ، لكنه من لوازمه فلذلك لا يشترط له نية ، كما صرح به الشيخ أبو حامد .

                ونقله عنه ابن الرفعة : اكتفاء بنية الحج فهو نظير سجود التلاوة في الصلاة ، ثم إني تتبعت كلام الشيخين وغيرهما فلم أر أحدا ذكر وجوب النية في سجود السهو إلا على القول القديم أن محله بعد السلام . أما على الجديد الأظهر فلم يذكروا ذلك أصلا ، بل صرحوا بخلافه ، فقالوا فيما إذا سلم ناسيا ثم عاد للسجود هل يكون عائدا إلى الصلاة ؟ وجهان : أصحهما : نعم ، والثاني : لا . فإن قلنا : نعم ، لم يحتج إلى تحر ، وإلا احتاج إليه ، وهذا كلام لا غبار عليه ، والتقليد آفة كبيرة .

                ومن ذلك : الوضوء المسنون في الغسل . قال الرافعي : وإنما يعد الوضوء من مندوبات [ ص: 29 ] الغسل إذا كان جنبا غير محدث ، أو قلنا بالاندراج ، وإلا فلا ، وعلى هذا يحتاج إلى إفراده بنية ; لأنه عبادة مستقلة . وعلى الأصح : لا . قال الإسنوي : ومقتضاه أن نية الغسل تكفي فيه ، كما تكفي نية الوضوء في حصول المضمضة والاستنشاق ، وبه صرح ابن الرفعة في الكفاية . ورأيته في شرح المفتاح لأبي خلف الطبري ، قال : وهو عجيب ، فإن نية الغسل على هذا التقدير لا بد أن تقارن أول هذا الوضوء ; إذ لو تأخرت عنه لم يكن المأتي به وضوءا ، بل ولا عبادة .

                ونية الغسل فقط لا تكفي ، بل لا بد أن ينوي الغسل من الجنابة أو نحوه . وإذا أتى بذلك ارتفعت الجنابة عن المغسول من أعضاء الوضوء بلا نزاع ، لوجود الشرائط ، فيكون المأتي به غسلا لا وضوءا ، وليس ذلك كالمضمضة والاستنشاق فإن محلهما غير محل الواجب ، فظهر اندفاع ما قالوه . قال : فالصواب ما ذكره النووي في الروضة وغيرها : أنه إن تجردت الجنابة عن الحدث نوى بوضوئه سنة الغسل ، وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر ، ليخرج من الخلاف ; وسبقه إليه ابن الصلاح .

                ومن ذلك : الأغسال المسنونة في الحج . أما الغسل لدخول مكة ، فصرح في التتمة بأنه لا يحتاج إلى نية ; لأن نية الحج تشمله ، وقياسه أن يكون غسل الوقوف وما بعده كذلك . وأما غسل الإحرام فجزم الإمام بعدم احتياجه إلى النية أيضا ، ثم قال : وفيه أدنى نظر .

                وفي الذخائر : في صحة غسل الإحرام من الحائض دليل أنه لا يحتاج إلى نية . قال : ويفرق بينه وبين غسل الجمعة بأن الإحرام من سننه ، ونية الحج مشتملة على جميع أفعاله فرضا وسنة فلا يحتاج إلى نية ، بخلاف غسل الجمعة فإنه سنة مستقلة وليس جزءا من الصلاة .

                ورد هذا بأنه إنما يصح لو نوى الإحرام أولا والسنة تقديم الغسل ، فلا تنعطف عليه النية .

                ولهذا صحح في الروضة وأصلها احتياجه إلى النية ، وإن كان فرض المسألة في الحائض فقط .

                وقال ابن الرفعة : ينبغي أن يبنى ذلك على انعطاف النية في الوضوء ، فإن قلنا به فكذلك هنا ، فلا يحتاج إلى النية وإلا فلا .

                ومن ذلك : ركعتا الطواف يشترط فيهما النية قطعا ، ولا ينسحب عليهما نية الإحرام لأنها محض صلاة ، فافتقرت إليها بخلاف الطواف ، فإنه بالوقوف أشبه ، ولأنها تابعة للطواف وهو تابع للإحرام فلا تنسحب نيته على تابع التابع ، وهذا تعليل حسن ظريف ، له نظير في العربية .

                ومن ذلك : طواف الوداع ، وقد حكى السنجي في شرح التلخيص عن القفال أنه [ ص: 30 ] لا يحتاج إلى النية ، كسائر الأركان . وجزم ابن الرفعة بأنه يحتاج إليها ، لأنه يقع بعد التحلل التام .

                قال في الخادم : وينبغي أن يتخرج على الخلاف في أنه من المناسك أم لا ؟

                تنبيه :

                تشترط النية في طواف النذر والتطوع ، بلا خلاف لانتفاء العلة وهي الاندراج . وعلى هذا يقال : لنا عبادة تجب النية في نفلها دون فرضها ، وهو الطواف ولا نظير لذلك .

                خاتمة :

                من نظائر هذا الأصل : أن نية التجارة إذا اقترنت بالشراء صار المشترى مال تجارة ، ولا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة ; لانسحاب حكم النية أولا عليه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية