الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فالحي القيوم سبحانه وتعالى الذي لا يزول ولا يأفل، فإن الآفل قد زال قطعا، واسم "القيوم" تضمن أنه لا يزول، ولا ينقص شيء من صفات كماله، ولا يفنى ولا يعدم، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الكمال. وهذا يتضمن كونه قديما، فالقيوم يتضمن معنى القديم، وزيادات صفات الكمال دوامها الذي لا يدل عليه لفظ القديم. ويتضمن أيضا كونه موجودا بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود، فإن الموجود بغيره كان معدوما ثم وجد، وكل مفعول فهو محدث، وتقدير قديم أزلي مفعول كما يقوله بعض المتفلسفة باطل في صريح العقل، وهو خلاف ما عليه جماهير العقلاء المتقدمين والمتأخرين.

فالقيوم الذي لم يزل ولا يزال لا يكون إلا موجودا بنفسه، [ ص: 59 ] والموجود بنفسه لا يكون إلا قديما واجب الوجود، فإن وجوده [لو] .

لم يكن واجبا لكان ممكنا، يمكن وجوده ويمكن عدمه، وما أمكن وجوده وعدمه لم يكن إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن. فليس هو القيوم الذي لا يزول، بل لم يزل ولا يزال.

ومن الناس من يطلق هنا أنه لم يزل ولا يزال ولا يكون بغيره ، وهذا إن كان لغة فكونه موجودا بنفسه من معاني كونه قيوما، أو، إذا ما وجد بغيره ليس هو قيوما، لحاجته إلى من يوجده ويقيمه، بل ليس له من القيومية بنفسه، إذ هو دائما محتاج فقير إلى القيوم، وما كان موجودا بنفسه يمتنع أن يكون معدوما تارة وموجودا أخرى، [وما] كان ممكنا محدثا لم يكن وجوده بنفسه، فإن ما وجوده بنفسه وجوده ملازم له لا يكون معدوما قط، بل من تصورت نفسه تصور أنه موجود، والمعدوم يتصور نفسه معدومة وموجودة أخرى، فليس الوجود ملازما لها.

فقد تبين أن الوجود الواجب القديم وما يستلزم ذلك من صفات الكمال ودوام ذلك وبقائه، كل ذلك يدخل في اسمه "القيوم"، واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، فجميع صفات الكمال يدل عليها اسم "الحي القيوم"، ويدل أيضا على بقائها ودوامها وانتفاء النقص والعدم عنها أزلا. ولهذا كان قوله سبحانه وتعالى الله لا إله إلا هو الحي القيوم أعظم آية في كتاب الله عز وجل، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والله سبحانه وتعالى أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. [ ص: 60 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية