الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها وجوب القضاء ; لقول الصحابة رضي الله عنهم يقضيانه من قابل ; ولأنه لم يأت بالمأمور به على الوجه الذي أمر به ; لأنه أمر بحج خال عن الجماع ، ولم يأت به فبقي الواجب في ذمته فيلزمه تفريغ ذمته عنه ، ولا يجب عليه العمرة ; لأنه ليس بفائت الحج ألا ترى أنه لم تسقط عنه أفعال الحج بخلاف المحصر إذا حل من إحرامه بذبح الهدي أنه يجب عليه قضاء الحجة والعمرة أما قضاء الحجة فظاهر ، وأما قضاء العمرة فلفوات الحج في ذلك العام .

                                                                                                                                وهل يلزمهما الافتراق في القضاء ؟ قال أصحابنا الثلاثة : لا يلزمهما ذلك لكنهما إن خافا المعاودة يستحب لهما أن يفترقا .

                                                                                                                                وقال زفر ومالك والشافعي : يفترقان واحتجوا بما روينا من قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يفترقان ; ولأن الاجتماع فيه خوف الوقوع في الجماع ثانيا فيجب التحرز عنه بالافتراق ثم اختلفوا في مكان الافتراق قال مالك : إذا خرجا من بلدهما يفترقان حسما للمادة .

                                                                                                                                وقال الشافعي : إذا بلغا الموضع الذي جامعها فيه ; لأنهما يتذكران ذلك فربما يقعان فيه وقال زفر : يفترقان عند الإحرام لأن الإحرام ; هو الذي حظر عليه الجماع .

                                                                                                                                فأما قبل ذلك فقد كان مباحا ، ولنا أنهما زوجان ، والزوجية علة الاجتماع لا الافتراق .

                                                                                                                                وأما ما ذكروا من خوف الوقوع ، يبطل بالابتداء فإنه لم يجب الافتراق في الابتداء مع خوف الوقوع ، وقول الشافعي : ( يتذكران ما فعلا فيه ) فاسد ; لأنهما قد يتذكران ، وقد لا يتذكران إذ ليس كل من يفعل فعلا في مكان يتذكر ذلك الفعل إذا وصل إليه ، ثم إن كانا يتذكران ما فعلا فيه يتذكران ما لزمهما من وبال فعلهما فيه أيضا فيمنعهما ذلك عن الفعل ، ثم يبطل هذا بلبس المخيط والتطيب فإنه إذا لبس المخيط أو تطيب حتى لزمه الدم يباح له إمساك الثوب المخيط والتطيب ، وإن كان ذلك يذكره لبس المخيط والتطيب ، فدل أن الافتراق ليس بلازم لكنه [ ص: 219 ] مندوب إليه ومستحب عند خوف الوقوع فيما وقعا فيه ، وعلى هذا يحمل قول الصحابة رضي الله عنهم يفترقان ، والله الموفق هذا إذا كان مفردا بالحج .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية