الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6640 [ ص: 259 ] 48 - باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح

                                                                                                                                                                                                                              7047 - حدثني مؤمل بن هشام أبو هشام ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عوف ، حدثنا أبو رجاء ، حدثنا سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه : " هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ " .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فيقص عليه من شاء الله أن يقص ،
                                                                                                                                                                                                                              وإنه قال ذات غداة : "إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق . وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه ، فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا ، فيتبع الحجر فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى . قال : قلت لهما : سبحان الله! ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه -قال : وربما قال أبو رجاء : فيشق - قال : ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى . قال : قلت : سبحان الله! ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلق . فانطلقنا فأتينا على مثل التنور -قال : فأحسب أنه كان يقول : - فإذا فيه لغط وأصوات . قال : فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا . قال : قلت لهما : ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق . قال : فانطلقنا فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول : - أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم [ ص: 260 ] يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا ، فينطلق يسبح ، ثم يرجع إليه ، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا . قال : قلت لهما : ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق . قال : فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة ، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال : قلت لهما : ما هذا ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق . فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط . قال : قلت لهما : ما هذا ؟ ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق . قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن . قال : قالا لي : ارق فيها . قال : فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا ، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء .

                                                                                                                                                                                                                              قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر . قال : وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ، فصاروا في أحسن صورة . قال : قالا لي : هذه جنة عدن ، وهذاك منزلك . قال : فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء . قال : قالا لي : هذاك منزلك . قال : قلت لهما : بارك الله فيكما ، ذراني فأدخله . قالا : أما الآن فلا وأنت داخله . قال : قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟ قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء [ ص: 261 ] التنور فإنهم الزناة والزواني ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة " .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وأولاد المشركين ، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر منهم قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، تجاوز الله عنهم "
                                                                                                                                                                                                                              [انظر : 845 - مسلم : 2257 - فتح: 12 \ 438 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي رجاء عمران بن ملحان -ويقال : إبراهيم العطاردي - ثنا سمرة بن جندب .

                                                                                                                                                                                                                              فذكر حديثا طويلا ، وسلف بعضه في الجنائز وغيره ، وترجم عليه في الجنائز : باب فقط وقبله : باب : ما قيل في أولاد المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              ومن فوائده : أنه حجة لمن قال : أطفال المشركين في الجنة كأطفال المسلمين ، وقد اختلف العلماء فيه وأسلفناه هناك .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى الترجمة -كما نبه عليه المهلب في سؤاله عن الرؤيا عند صلاة الصبح - أنه أولى من غيره من (الأوقات ) ؛ لحفظ صاحبه لها وقرب عهده بها ، وأن النسيان قلما يعرض عليه فيها ولجمام (فهم ) العابر ، وقلة ابتدائه بالفكرة في أخبار معاشه ، ومداخلته للناس في [ ص: 262 ] (شعب ) دنياهم ؛ وليعرف الناس ما يعرض لهم في يومهم ذلك فيستبشرون بالخير ، ويحذرون موارد الشر ، ويتأهبون لورود الأسباب السماوية عليهم ، فربما كانت الرؤيا تحذيرا عن معصية لا تقع إن حذرت ، وربما كانت إنذارا بما لا بد من وقوعه ، فهذه كلها فوائد ، وربما كانت البشرى بالخير سببا لسامعها إلى الازدياد منه ، وقويت فيه نيته ، وانشرحت له نفسه ، وتسبب إليه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل في غريبه وضبط ألفاظه :

                                                                                                                                                                                                                              قوله فيه : ("أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني " ) . أي : أرسلاني . قال الجوهري : بعثته وابتعثته بمعنى أي : أرسلته .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى "يثلغ رأسه " : يشدخه . ثلاثي ، والمثلغ من الرطب والتمر ما أسقطه المطر ، وقيل : الثلغ ضربك الرطب باليابس حتى ينشدخ ، وقيل : إنه كسر الشيء الأجوف ، يقال : شدخت رأسه فانشدخ .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("يهوي بالصخرة " ) هو بضم الياء من يهوي رباعيا من قولهم : أهويت له بالسيف ، أي : تناولته .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("فتدهده الحجر " ) أي : تدحرج ، فنزول الشيء تدهدهه من أعلاه إلى أسفل . قال الخطابي : دهدأة الشيء دحرجته ، وتدهدأ تدحرج .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الصحاح " : دهدهت الحجر فتدهده ، أي : دحرجته فتدحرج ، قال : وقد تبدل من الهاء ياء ، فيقال : تدهدى الحجر وغيره تدهديا ، [ ص: 263 ] ودهديته أنا . وكذلك أتى في "المجمل " في باب الدال مع الهاء . قال ابن التين : ورويناه بالهمز ، وعند أبي ذر : فتدهده . وفي رواية أخرى : (فهدهده ) . والكلوب بفتح الكاف ، وفي لغة أخرى الكلاب ، والجمع كلاليب وهو المنشال ، حديدة ينشل بها اللحم من القدر . وقال الداودي : هو كالسكين ونحوها ، وقد سلف بيانه مع الهدهدة في الجنائز وفي الحديث : "ما تدهده الجعل خير " ، وفي "الصحاح " في الذين ماتوا في الجاهلية هو يدحرجه السرجين ، وفي الحديث الآخر "لما يدهده الجعل " وشرشر : قطع ، من كتاب "العين " وشق أيضا ، والشق : جانب الفم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 264 ] التنور : هو الذي يخبز فيه ، يقال : إنه في جميع اللغات كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال علي بن أبي طالب في قوله : وفار التنور [هود : 40 ] أي : وجه الأرض ، وذكر عنه أيضا : وطلع الفجر ، كأنه يذهب إلى تنور الصبح . قال مجاهد : هو تنور الحافرة . وقال الداودي : التنور : الحفير في الأرض يوقد فيه ، قال : ولعل ذلك التنور على جهنم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه دليل أن بعض الأشقياء يعذبون في البرزخ وهو ما بين الموت إلى النفخة الأولى .

                                                                                                                                                                                                                              واللغط صوت وضجة لا يفهم معناها . قال الجوهري : اللغط -بالتحريك - : الصوت والجلبة ، وقد لغطوا لغطا ولغاطا ولغاطا .

                                                                                                                                                                                                                              واللهب : لهب النار ، وهو لسانها ، وقال الداودي : هو شدة الوقيد والاشتعال .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("ضوضوا " ) . أي : ضجوا وصاحوا ، قال الجوهري : وهو غير مهموز ، أصله ضوضووا واستثقلت الضمة على الواو فحذفت فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى ؛ لاجتماع الساكنين . والضوضاة أصوات الناس وجلبتهم ، وضبط : ضوضئوا بالهمز ، في بعض الكتب . قال القاضي عياض : الضوضاة ، والضوضاء ممدود ، والضوة -على وزن الجنة - ارتفاع الأصوات والجلبة . قال [ ص: 265 ] الجوهري : يقال : سمعت ضوة القوم ، والضوضاة : أصوات الناس وجلبتهم ، يقال : ضوضوا بلا همز ، وضوضيت أبدلوا من الواو ياء ، وضويت إليه بالفتح أضوى ضويا إذا أويت إليه وانضممت ، وأضويت الأمر إذا أضعفته ولم تحكمه ، ويقال : بالبعير ضواة أي : سلعة ، والضوي : الهزال .

                                                                                                                                                                                                                              وفغر فاه يفغر إذا فتحه ، يقال : فغر فاه وفغر فوه يتعدى ولا يتعدى .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("فيلقمه حجرا " ) هو بضم الياء رباعي من اللقم .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("فأتينا على رجل كريه المرآة " ) . أصله : المراية تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ووزنه : مفعلة ، بفتح الميم أي : كريه المنظر .

                                                                                                                                                                                                                              يقال : رجل حسن المرأى والمرآة ، وحسن في مرآة العين ، والمرآة بكسر الميم معروفة ، نظرت في المرآة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وإذا عنده نار يحشها " ) . أي : يحركها لتتقد ، يقال : حششت النار أحشها حشا إذا أوقدتها وجمعت الحطب إليها ، وكل ما قوي بشيء فقد حش به ، قاله صاحب "العين " .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع " ) . أي : (وافية ) النبات ، وهي بالعين المهملة الساكنة ، ثم مثناة فوق ، ثم ميم مشددة ، كذا ضبطناه ، يقال : اعتم إذا اكتمل ، ونخلة عميمة : طويلة ، وكذلك الجارية . وقال الداودي : أي : غطاها الخصب والكلأ ، كالعمامة على الرأس .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 266 ] قال ابن التين : وضبطناه بكسر التاء وتخفيف الميم ، وما يظهر له وجه . وأورده ابن بطال (مغنة ) فقط بالغين المعجمة والنون ثم قال : قال ابن دريد : واد أغن ومغن إذا كثر شجره ، ولا يعرف الأصمعي إلا (أغن ) وحده ، وقال صاحب "العين " : روضة غناء كثيرة العشب (والذباب ) وقرية غناء : كثيرة الأهل . وواد أغن .

                                                                                                                                                                                                                              والنور -بفتح النون - نور الشجر أي : زهره ، نورت الشجرة : أخرجت نورها . وقال الداودي : والروضة من البقل والعشب وهي المكان المشرف المطمئن الأعلى الخصب .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وإذا بين ظهري الروضة " ) . أي : وسطها ، قال القزاز : كل شيء متوسط بين شيئين فهو بين ظهرانيه وظهريه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل آخر منه : قوله : ("فانتهينا إلى مدينة " ) . سميت مدينة من قولهم : مدن بالمكان إذا أقام به . وهي فعيلة وتجمع على مدائن -بالهمز - وقيل : هي مفعلة من دينت أي : ملكت ، فعلى هذا لا يهمز جمعها مثل : معايش ، فإذا نسبت إلى مدينة الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - قلت : مدني . وإلى مدينة منصور قلت : مديني . وإلى مدينة كسرى . قلت : مدائني . للفرق بين النسب ؛ لئلا تختلط .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("مبنية بلبن ذهب " ) هو بفتح اللام وكسر الباء جمع لبنة ككلمة وكلم ، قال ابن السكيت : ومن العرب من يقول : لبنة . ولبن مثل كبدة وكبد ، وهي من الطين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 267 ] وقوله : ("وشطر كأقبح ما أنت راء " ) . الشطر : النصف . وقوله : (كأن ماءه المحض في البياض ) المحض : اللبن والخالص من كل شيء لم يخالطه الماء حلوا كان أو حامضا ، ولا يسمى محضا إلا إذا كان كذلك ، فكل شيء أخلصته فقد محضته . وقال الدوادي : المحض : الشديد البياض . وقال صاحب "العين " : المحض : اللبن الخالص بلا رغوة ، وكل شيء خالص فهو محض .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("جنة عدن " ) . أي : إقامة ، ومنه سمى المعدن ؛ لعدون ما فيه ولإقامة الناس عليه شتاء وصيفا . وكذا ضبطه الدمياطي ، وقال ابن التين : ورويناه أيضا كذلك ، وما رأيت له وجها ، وإنما هو بضم الصاد وفتح العين والمد ، أي : ارتفع كثيرا ، ومنه تنفس الصعداء ، أي : تنفس تنفسا ممدودا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("فإذا بقصر مثل الربابة البيضاء " ) الربابة بالفتح : السحابة التي ركب بعضها بعضا . قاله الخطابي . قال صاحب "العين " : الرباب : السحاب ، واحدتها ربابة . واقتصر عليه ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : الرباب بالفتح : سحاب أبيض ، ويقال : إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب ، قد يكون أبيض وقد يكون أسود ، الواحدة ربابة ، ومنه سميت المرأة : الرباب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 268 ] وقال الداودي : الربابة : السحابة البعيدة في السماء . وقوله : ("ذراني فأدخله " ) . أي : دعاني ، وأصله : اذرواني ، فحذفت الواو فتحرك أول الفعل ، واستغني عن ألف الوصل ، وأصل هذا الفعل (وذر ) مثل علم ، ولكنه أميت فلا يقال : وذره ولا واذره ، فاستغني عنه بـ (ترك وتارك ) .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("أما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه " ) هو بكسر الفاء . قال ابن التين : وكذا رويناه . قال الجوهري : الرفض : الترك ، يقال : رفضه يرفضه ويرفضه رفضا ورفضا ، ومنه سميت فرقة من الشيعة الرافضة لتركهم زيد بن علي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة " . فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال : "وأولاد المشركين " ) ظاهر هذا إلحاقهم بهم في حكم الآخرة ، وإن كان قد حكم لهم بحكم آبائهم في الدنيا حيث قال في ذراريهم : "هم من آبائهم " . وهذا هو المختار ، وإن كان الخطابي قال : عامة (المسلمين ) على أنهم كآبائهم ، قال تعالى : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت [التكوير 8 ، 9 ] وقال : ويطوف عليهم ولدان مخلدون [الإنسان : 19 ] قيل في التفسير : إنهم أطفال الكفار ، أي : لأن اسم الولدان مشتق من [ ص: 269 ] الولادة ، ولا ولادة في الجنة . وقيل : كما كانوا سبيا وخدما للمسلمين في الدنيا فكذلك هم في الجنة . واحتج كل فريق بحديث واه ، وقد قيل في الجمع بين الأحاديث : وإن أصل جميعها حديث : "الله أعلم بما كانوا عاملين " ، والحديث الذي فيه : "تؤجج لهم نار من اقتحمها دخل الجنة ومن لم يقتحمها دخل النار " هو فيها خادم لهم ، وإلا فهو مع أبيه في الهاوية ، فتتفق الأحاديث ولا تختلف ؛ لأن علم الله تعالى يقدم كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                              آخر التعبير ولله الحمد




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية