الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إن كثيرا من الأحبار الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى . وفي الباطل أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الظلم ، قاله ابن عباس . والثاني: الرشا في الحكم ، قاله الحسن . والثالث: الكذب ، قاله أبو سليمان . والرابع: أخذه من الجهة المحظورة ، قاله القاضي أبو يعلى . والمراد: أخذ الأموال ، وإنما ذكر الأكل ، لأنه معظم المقصود من المال . وفي المراد بسبيل الله هاهنا قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الحق والحكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها نزلت عامة في أهل الكتاب والمسلمين ، قاله أبو ذر ، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 429 ] والثاني أنها خاصة في أهل الكتاب ، قاله معاوية بن أبي سفيان .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها في المسلمين ، قاله ابن عباس ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكنز المستحق عليه هذا الوعيد ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه ما لم تؤد زكاته . قال ابن عمر: كل مال أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز ، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض وإلى هذا المعنى ذهب الجمهور . فعلى هذا ، معنى الإنفاق: إخراج الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه ما زاد على أربعة آلاف ، روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: أربعة آلاف نفقة ، وما فوقها كنز .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: ما فضل عن الحاجة ، وكان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام ثم نسخ بالزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل كيف قال: "ينفقونها" وقد ذكر شيئين؟ فعنه جوابان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن المعنى: يرجع إلى الكنوز والأموال .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه يرجع إلى الفضة ، وحذف الذهب ، لأنه داخل في الفضة ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف



                                                                                                                                                                                                                                      يريد: نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندك راض ، ذكر القولين الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 430 ] وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين ، كقوله: ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [النساء:112] ، وقوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      إني ضمنت لمن أتاني ما جنى     وأبى وكان وكنت غير غدور



                                                                                                                                                                                                                                      ولم يقل: غدورين ، وإنما اكتفى بالواحد لاتفاق المعنى . قال أبو عبيدة: والعرب إذا أشركوا بين اثنين قصروا ، فخبروا عن أحدهما استغناء بذلك ، وتحقيقا; لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ، ودخل معه في ذلك الخبر ، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      فمن يك أمسى بالمدينة رحله     فإني وقيار بها لغريب



                                                                                                                                                                                                                                      والنصب في "قيار" أجود ، وقد يكون الرفع . وقال حسان بن ثابت:

                                                                                                                                                                                                                                      إن

                                                                                                                                                                                                                                      شرخ الشباب والشعر الأس     ود ما لم يعاص كان جنونا



                                                                                                                                                                                                                                      ولم يقل يعاصيا

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية