الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ثم الذين جعلوا العود أمرا غير إعادة اللفظ اختلفوا فيه هل هو مجرد إمساكها بعد الظهار أو أمر غيره ؟ على قولين .

فقالت طائفة : هو إمساكها زمنا [ ص: 302 ] يتسع لقوله : أنت طالق فمتى لم يصل الطلاق بالظهار لزمته الكفارة ، وهو قول الشافعي .

قال منازعوه : وهو في المعنى قول مجاهد ، والثوري ، فإن هذا النفس الواحد لا يخرج الظهار عن كونه موجب الكفارة ، ففي الحقيقة لم يوجب الكفارة إلا لفظ الظهار ، وزمن قوله : أنت طالق لا تأثير له في الحكم إيجابا ولا نفيا ، فتعليق الإيجاب به ممتنع ، ولا تسمى تلك اللحظة والنفس الواحد من الأنفاس عودا لا في لغة العرب ، ولا في عرف الشارع ، وأي شيء في هذا الجزء اليسير جدا من الزمان من معنى العود أو حقيقته ؟ قالوا : وهذا ليس بأقوى من قول من قال هو إعادة اللفظ بعينه ، فإن ذلك قول معقول يفهم منه العود لغة وحقيقة ، وأما هذا الجزء من الزمان فلا يفهم من الإنسان فيه العود البتة . قالوا : ونحن نطالبكم بما طالبتم به الظاهرية ، من قال هذا القول قبل الشافعي ؟

قالوا : والله سبحانه أوجب الكفارة بالعود بحرف " ثم " الدالة على التراخي عن الظهار ، فلا بد أن يكون بين العود وبين الظهار مدة متراخية ، وهذا ممتنع عندكم ، وبمجرد انقضاء قوله : أنت علي كظهر أمي صار عائدا ما لم يصله بقوله : أنت طالق ، فأين التراخي والمهلة بين العود والظهار ؟ والشافعي لم ينقل هذا عن أحد من الصحابة والتابعين ، وإنما أخبر أنه أولى المعاني بالآية فقال : الذي عقلت مما سمعت في ( يعودون لما قالوا ) أنه إذا أتت على المظاهر مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرم به ، وجبت عليه الكفارة ، كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه أنه حلال ، فقد عاد لما قال ، فخالفه ، فأحل ما حرم ، ولا أعلم له معنى أولى به من هذا . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية