الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومنها : أن من عجز عن الكفارة لم تسقط عنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعان أوس بن الصامت بعرق من تمر ، وأعانته امرأته بمثله حتى كفر ، وأمر سلمة بن صخر أن يأخذ صدقة قومه فيكفر بها عن نفسه ، ولو سقطت بالعجز لما أمرهما بإخراجها ، بل تبقى في ذمته دينا عليه ، وهذا قول الشافعي ، وأحد الروايتين عن أحمد .

وذهبت طائفة إلى سقوطها بالعجز كما تسقط الواجبات بعجزه عنها ، وعن إبدالها . وذهبت طائفة أن كفارة رمضان لا تبقى في ذمته ، بل تسقط ، وغيرها من الكفارات لا تسقط ، وهذا الذي صححه أبو البركات ابن تيمية .

واحتج من أسقطها بأنها لو وجبت مع العجز لما صرفت إليه ، فإن الرجل لا يكون مصرفا لكفارته ، كما لا يكون مصرفا لزكاته ، وأرباب القول الأول يقولون إذا عجز عنها ، وكفر الغير عنه ، جاز أن يصرفها إليه ، كما صرف النبي صلى الله عليه وسلم كفارة من جامع في رمضان إليه وإلى أهله ، وكما أباح لسلمة بن صخر أن يأكل هو وأهله من كفارته التي أخرجها عنه من صدقة قومه ، وهذا مذهب أحمد ، رواية واحدة عنه في كفارة من وطئ أهله في رمضان ، وعنه في سائر الكفارات روايتان . والسنة تدل على أنه إذا أعسر بالكفارة وكفر عنه غيره جاز صرف كفارته إليه وإلى أهله .

[ ص: 305 ] فإن قيل : فهل يجوز له إذا كان فقيرا له عيال وعليه زكاة يحتاج إليها أن يصرفها إلى نفسه وعياله؟ قيل لا يجوز ذلك ، لعدم الإخراج المستحق عليه ، ولكن للإمام أو الساعي أن يدفع زكاته إليه بعد قبضها منه في أصح الروايتين عن أحمد . فإن قيل : فهل له أن يسقطها عنه ؟ قيل لا نص عليه ، والفرق بينهما واضح . فإن قيل : فإذا أذن السيد لعبده في التكفير بالعتق فهل له أن يعتق نفسه ؟ قيل : اختلفت الرواية فيما إذا أذن له في التكفير بالمال ، هل له أن ينتقل عن الصيام إليه ؟ على روايتين : إحداهما : أنه ليس له ذلك ، وفرضه الصيام ، والثانية له الانتقال إليه ، ولا يلزمه لأن المنع لحق السيد وقد أذن فيه ، فإذا قلنا : له ذلك فهل له العتق ؟ اختلفت الرواية فيه عن أحمد فعنه في ذلك روايتان ، ووجه المنع أنه ليس من أهل الولاء ، والعتق يعتمد الولاء ، واختار أبو بكر وغيره أن له الإعتاق ، فعلى هذا هل له عتق نفسه ؟ فيه قولان في المذهب ، ووجه الجواز إطلاق الإذن ، ووجه المنع أن الإذن في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره ، كما لو أذن له في الصدقة انصرف الإذن إلى الصدقة على غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية