الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          619 حدثنا محمد بن إسمعيل حدثنا علي بن عبد الحميد الكوفي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال كنا نتمنى أن يأتي الأعرابي العاقل فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فبينا نحن كذلك إذ أتاه أعرابي فجثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن رسولك أتانا فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فبالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا خمس صلوات في اليوم والليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا صوم شهر في السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا في أموالنا الزكاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فإن رسولك زعم لنا أنك تزعم أن علينا الحج إلى البيت من استطاع إليه سبيلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فقال والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئا ولا أجاوزهن ثم وثب فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن صدق الأعرابي دخل الجنة قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي من غير هذا الوجه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعت محمد بن إسمعيل يقول قال بعض أهل العلم فقه هذا الحديث أن القراءة على العالم والعرض عليه جائز مثل السماع واحتج بأن الأعرابي عرض على النبي صلى الله عليه وسلم فأقر به النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن إسماعيل ) هو الإمام البخاري -رحمه الله- صرح به الحافظ كما ستقف ( حدثنا علي بن عبد الحميد الكوفي ) المعني كوفي ، ثقة وكان ضريرا من العاشرة ( أخبرنا سليمان بن المغيرة ) القيسي مولاهم البصري أبو سعيد ، ثقة أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا من السابعة ( عن ثابت ) هو ابن أسلم البناني البصري ثقة عابد من الرابعة .

                                                                                                          قوله : ( يبتدئ ) أي بالسؤال ( الأعرابي العاقل ) روي بالعين المهملة والقاف وهو المشهور ، وبالغين المعجمة والفاء ، والمراد به هنا الذي لما يبلغه النهي عن السؤال . كذا في قوت المغتذي ، قال الحافظ في الفتح : وقع في رواية موسى بن إسماعيل في أول هذا الحديث عن أنس قال : نهينا في القرآن أن نسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل ، وكان أنسا أشار إلى آية المائدة ، قال : وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه ( فبينا نحن كذلك ) أي على هذه الحالة وهي حالة التمني ( إذ أتاه أعرابي ) اسمه ضمام بن ثعلبة ( فجثا ) أي جلس على ركبته ( فزعم لنا ) أي فقال لنا ، والزعم كما يطلق على القول الذي لا يوثق به كذلك يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمرو والزاهدي في شرح فصيح شيخه ثعلبة ، وأكثر سيبويه من قوله : زعم الخليل في مقام الاحتجاج . قاله الحافظ ، والمراد به هاهنا هو الأخير ( إنك تزعم ) أي تقول .

                                                                                                          قوله : ( فبالذي رفع السماء ) أي أقسمك بالذي رفع السماء ( آلله ) بمد الهمزة للاستفهام كما [ ص: 200 ] في قوله تعالى : آلله أذن لكم ( لا أدع ) أي لا أترك ( ولا أجاوزهن ) أي إلى غيرهن ؛ يعني لا أزيد عليهن باعتقاد الافتراض ، وفي رواية مسلم : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص ( ثم وثب ) أي قام بسرعة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) من هذا الوجه ذكر الإمام البخاري في صحيحه هذا الحديث معلقا فقال بعد روايته حديث أنس بإسناده ما لفظه : رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ، وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند ابن منده في الإيمان ، وإنما علقه البخاري ؛ لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة ، قال : وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي ، أخرجه عن البخاري عنه ، وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وروي من غير هذا الوجه عن أنس إلخ ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ( قال بعض أهل الحديث : فقه هذا الحديث ) أي الحكم المستنبط منه ، والمراد ببعض أهل الحديث أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي من طريق ابن خزيمة قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : قال أبو سعيد الحداد : عندي خبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في القراءة على العالم ، فقيل له فقال : قصة ضمام بن ثعلبة قال : آلله أمرك بهذا ، قال : " نعم " ، كذا في فتح الباري ( أن القراءة على العالم [ ص: 201 ] والعرض عليه جائز مثل السماع ) أي : القراءة على الشيخ جائز كما يجوز السماع من لفظ الشيخ ، وكان يقول بعض المتشددين من أهل العراق : إن القراءة على الشيخ لا تجوز ، ثم انقرض الخلاف فيه واستقر الأمر على جوازه ، واختلف في أن أيهما أرفع رتبة ، والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ، ومن ثم كان السماع من لفظه في إملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب . كذا في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية