الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومنها : أنه لا يجوز وطء المظاهر منها قبل التكفير ، وقد اختلف هاهنا في موضعين . أحدهما : هل له مباشرتها دون الفرج قبل التكفير أم لا ؟ والثاني : أنه إذا كانت كفارته الإطعام فهل له الوطء قبله أم لا ؟ وفي المسألتين قولان للفقهاء ، وهما روايتان عن أحمد ، وقولان للشافعي .

ووجه منع الاستمتاع بغير الوطء ظاهر قوله تعالى : ( من قبل أن يتماسا ) ؛ ولأنه شبهها بمن يحرم وطؤها ، ودواعيه ، ووجه الجواز أن التماس كناية عن الجماع ، ولا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه ، فإن الحائض يحرم جماعها دون دواعيه ، والصائم يحرم منه الوطء دون دواعيه ، والمسبية يحرم [ ص: 306 ]

وطؤها دون دواعيه ، وهذا قول أبي حنيفة .

وأما المسألة الثانية : وهي وطؤها قبل التكفير : إذا كان بالإطعام ، فوجه الجواز أن الله سبحانه قيد التكفير بكونه قبل المسيس في العتق والصيام ، وأطلقه في الإطعام ، ولكل منهما حكمة ، فلو أراد التقييد في الإطعام لذكره كما ذكره في العتق والصيام ، وهو سبحانه لم يقيد هذا ويطلق هذا عبثا بل لفائدة مقصودة ، ولا فائدة إلا تقييد ما قيده وإطلاق ما أطلقه . ووجه المنع استفادة حكم ما أطلقه مما قيده، إما بيانا على الصحيح ، وإما قياسا ، قد ألغي فيه الفارق بين الصورتين ، وهو سبحانه لا يفرق بين المتماثلين ، وقد ذكر ( من قبل أن يتماسا ) مرتين ، فلو أعاده ثالثا لطال به الكلام ، ونبه بذكره مرتين على تكرر حكمه في الكفارات ، ولو ذكره في آخر الكلام مرة واحدة ، لأوهم اختصاصه بالكفارة الأخيرة ، ولو ذكره في أول مرة لأوهم اختصاصه بالأولى ، وإعادته في كل كفارة تطويل ، وكان أفصح الكلام وأبلغه وأوجزه ما وقع . وأيضا فإنه نبه بالتكفير قبل المسيس بالصوم ، مع تطاول زمنه وشدة الحاجة إلى مسيس الزوجة على أن اشتراط تقدمه في الإطعام الذي لا يطول زمنه أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية