الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله: وقوموا لله قانتين :

اعلم أن القنوت في أصل اللغة هو الدوام على الشيء، قال ابن عباس: قوموا لله قانتين: أي: مطيعين.

وقال ابن عمر: القنوت هو طول القيام، وقرأ: أمن هو قانت آناء الليل ، وقال صلى الله عليه وسلم:

"أفضل الصلاة طول القنوت" يعني: القيام.

وقال مجاهد: القنوت هو السكوت، والقنوت: الطاعة، ومن حيث [ ص: 216 ] كان أصل القنوت الدوام على الشيء جاز أن يسمى مديم الطاعة قانتا. وكذلك من أطال القيام والقراءة والدعاء في الصلاة أو أطال الخشوع والسكوت كل هؤلاء فاعلون للقنوت..

وروي أن النبي عليه السلام قنت شهرا يدعو فيه على حي من أحياء العرب، أراد به: إطالة قيام الدعاء.

وروي عن أبي عمرو الشيباني قال:

"كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت" .

فأبان أن ذلك يقتضي النهي عن الكلام في الصلاة، وكذلك قال زيد ابن أرقم.

وقد ورد القنوت في القرآن لا بمعنى السكوت في قوله:

ومن يقنت منكن لله ورسوله والمراد به: الخشوع والطاعة.

وقال في موضع آخر: وأطعن الله ورسوله .

وقال في قصة مريم: اقنتي لربك .

ورد في التفسير عن مجاهد أنها كانت تقوم حتى تتورم قدماها.

والشافعي يرى أن الأمر بالسكوت إنما يتناول العالم بالصلاة، فأما الساهي عن الشيء فلا يتناوله الأمر وهذا مما لا يشك فيه محصل. [ ص: 217 ] وروى الشافعي حديث ذي اليدين، وأن أبا هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صلاتي العشاء الظهر أو العصر.

وتحريم الكلام في الصلاة كان بمكة لأن ابن مسعود لما قدم من أرض الحبشة كان الكلام محرما لأنه سلم على النبي عليه السلام فلم يرد عليه وأخبره بنسخ الكلام في الصلاة.

فإن قال قائل: قد جرى الكلام في الصلاة والسهو أيضا، وقد كان قال صلى الله عليه وسلم:

"التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" فلم لم يسبحوا؟

فيقال: لعله في ذلك الوقت لم يكن أمرهم بذلك، ولأنه ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يديه عليها، إحداهما على الأخرى، يعرف الغضب في وجهه وخرج سرعان الناس فقالوا:

أقصرت الصلاة؟

فقام رجل طويل اليدين -كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين- فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟

فأقبل على القوم فقال: أصدق ذو اليدين؟ .. فقالوا: نعم. فجاء فصلى بنا الركعتين الباقيتين وسلم وسجد سجدتي السهو.


فأخبر أبو هريرة بما كان منه ومنهم من الكلام، ولم يمنعه ذلك من البناء، ولم يسبحوا، لأنهم توهموا أن الصلاة قصرت. [ ص: 218 ] وقال بعض المخالفين: قول أبي هريرة: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو منهم كما روي عن البراء ابن سبرة أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف، وأنتم اليوم بنو عبد الله، ونحن اليوم بنو عبد الله" ، وإنما عنى به أنه قال لقومه.

وهذا بعيد، فإنه لا يجوز أن يقول: "صلى بنا" وهو إذ ذاك كافرا ليس أهلا للصلاة، ويكون ذلك كذبا، وفي حديث البراء هو كان في جملة القوم وسمع من رسول الله ما سمع.

التالي السابق


الخدمات العلمية