الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولهذا لم يقبل أكثر العلماء توبة الزنديق في الظاهر ؛ لأنه لا يعلم صدقه ، وهو ما زال يظهر الإيمان ، فلم يجدد شيئا يعرف به صدقه ، وهو منافق ، ولم ينته عن إظهار النفاق . وقال تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا [ ص: 385 ] يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا [الأحزاب :60 - 62] ، ولو تاب قبل أن يؤخذ ، وأظهر التوبة بحيث تغير حاله وهجر ما كان عليه أولا ، قبلت توبته .

وكذلك أرجح القولين أن كل من تاب قبل الرفع إلى الإمام لم يقم عليه [الحد] ، ولو جاء إلى الإمام تائبا فأقر لم تجب إقامة الحد عليه ، فلا تجب إقامته على تائب . لكن من جاء مقرا وطلب من الإمام أن يقيمه فله أن يقيمه ، لأنه من تمام تطهيره ، وللإمام أن يدفع من جاء مقرا تائبا ، بخلاف من أخذ قهرا واعترف بهذا ولم تظهر منه توبة ، فقوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم [المائدة :34] نص عام ، ومن جاء مقرا تائبا فقد تاب قبل القدرة عليه ، فإن هذا قد ظهر صدقه في توبته ، بخلاف من قامت عليه البينة ثم تاب ، أو أقر بعد أن أخذوه ، فإن هذا لا يعرف صحة توبته ، ولو أسقط الحد عن مثل هذا لأمكن كل مجرم أن يظهر مثل هذه التوبة .

وقد قال بعض العلماء عمن تاب عند رؤية السيف : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا [غافر :84 - 85] ، وهذا لأن هؤلاء قد يتوبون مثل توبة آل فرعون ، وينقضون التوبة . أو يكون هذا العالم رأى معاينة القتل لم يتحتم مثل معاينة الملك ، ولكن هذا مثل من يطعن في جوفه ويجيئه [ ص: 386 ] الموت ، وهذا تقبل توبته على الصحيح وتنفذ وصاياه ، فإن عمر أوصى في هذه الحال ، وغايته أنه أيقن بالموت بعد زمن ، وكل أحد يوقن بالموت بعد زمن طويل أو قصير ، إلا أن يقال : من هؤلاء من يضطرب عقله ، فلا يمكنه توبة صحيحة ، فإن التوبة لا بد فيها من رجوع القلب إلى الله عما فعله من السيئات ، وهذا قد لا يحصل في هذا الزمان مع تغير العقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية