الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( أو ) رجعوا ( بعده ) أي : الحكم ( وقبل استيفاء مال استوفي ) أو قبل العمل بإثر عقد أو حل أو فسخ عمل به ؛ لأن الحكم تم وليس هذا مما يسقط بالشبهة ( أو ) قبل استيفاء ( عقوبة ) لآدمي كقود وحد قذف أو لله كحد زنا وشرب ( فلا ) تستوفى ؛ لأنها تسقط بالشبهة ( أو بعد ) أي : بعد استيفائها ( لم ينقض ) لجواز كذبهم في الرجوع فقط وليس عكس هذا أولى منه والثابت لا ينقض بأمر محتمل وبه يبطل ما قيل : بقاء الحكم بغير سبب خلاف الإجماع قال السبكي وليس للحاكم أن يرجع عن حكمه إن كان بعلمه أو ببينة كما قاله غيره ووجهه أن حكمه إن كان باطن الأمر فيه كظاهره نفذ ظاهرا وباطنا وإلا بأن لم يتبين الحال نفذ ظاهرا فلم يجز له الرجوع إلا إن بين مستنده فيه كما علم مما مر في القضاء ، ومحل ذلك في الحكم بالصحة بخلاف الثبوت والحكم بالموجب ؛ لأن كلا منهما لا يقتضي صحة الثابت ولا المحكوم به ؛ لأن الشيء قد يثبت عنده ثم ينظر في صحته ولأن الحكم بالصحة يتوقف على ثبوت استيفاء شروطها عنده ومنها ثبوت ملك العاقد أو ولايته فحينئذ جاز له بل لزمه أن يرجع عن حكمه بها إن ثبت عنده ما يقتضي رجوعه عنه كعدم ثبوت ملك العاقد ويقبل قوله بان لي فسق الشاهد فينقض حكمه ما لم يتهم وقوله أكرهت على الحكم قبل ولو بغير قرينة على الإكراه ا هـ . وقضية النظائر أنه لا بد منها إلا أن يفرق بأن فخامة منصب القاضي اقتضت ذلك وعليه فمحله في مشهور بالعلم والديانة لا كنت فاسقا أو عدوا للمحكوم عليه مثلا لاتهامه به ( فإن كان المستوفى قصاصا ) في نفس أو طرف ( أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده ) أي : الزنا ومثله جلد القذف ( ومات ) [ ص: 280 ] من القود أو الحد ثم رجعوا . ( وقالوا ) كلهم ( تعمدنا ) وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا أو جهلنا ذلك وهو ممن لا يخفى عليهم أو ظننا أننا نجرح بأسباب فيما يتجه لي وإن بحث الرافعي أنهم مخطئون ؛ لأن هذا لا عذر لهم فيه بوجه إلا إن كانت الأسباب أو بعضها ظاهرة لكل أحد وعليه قد يحمل كلام الرافعي أو قال كل منهم تعمدت ولا أعلم حال صاحبي أو اقتصر كل على قوله تعمدت ( فعليهم ) ما لم يعترف ولي القاتل بحقيقة ما شهد به عليه ( قصاص ) بشرطه ومنه أن يكون جلد الزنا يقتل غالبا ويتصور بأن يشهدا به في زمن نحو حر ومذهب القاضي يقتضي الاستيفاء فورا وإن أهلك غالبا وعلما ذلك وبهذا يجاب عن تنظير البلقيني فيه كابن الرفعة وأفهم قوله قصاص أنه يراعى فيه المماثلة فيحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون ( أو ) للتنويع لا للتخيير لما قدمه أن الواجب أولا القود ، والدية بدل عنه لا أحدهما ( دية مغلظة ) في مالهم موزعة على عدد رءوسهم لنسبة إهلاكه إليهم وخرج بتعمدنا أخطأنا فعليهم دية مخففة في مالهم إلا إن صدقتهم العاقلة أما لو قال أحدهم تعمدت وتعمد صاحبي وقال صاحبه أخطأت أو قال تعمدت وأخطأ صاحبي أو قال أخطأنا فيقتل الأول فقط ؛ لأنه أقر بموجبه دون الثاني ولو رجع أحدهما فقط وقال تعمدنا قتل أو تعمدت فلا واعترضه البلقيني بأنه كشريك القاتل بحق ويجاب بمنع ذلك [ ص: 281 ] فإن الشاهد الباقي غير حجة فليس قاتلا بحق بل الراجع حينئذ كشريك المخطئ بجامع أن كلا لا قود عليه لقيام الشبهة في فعله لا ذاته كما علم مما مر في الجراح وعلم منه أيضا أن محل هذا ما لم يقل الولي علمت تعمدهم وإلا فالقود عليه وحده .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وقالوا كلهم : تعمدنا وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا إلخ ) قال في الروض ولا أثر لقولهم أي : بعد الرجوع لم نعلم أنه يقتل أي : بقولنا إلا لقرب عهد بالإسلام أي : أو نشئهم ببادية بعيدة عن العلماء فيكون شبه عمد في مالهم مؤجلا ثلاث سنين أي : إلا أن تصدقهم العاقلة فيجب عليهما ا هـ . ( قوله : وخرج بتعمدنا أخطأنا ) قال في شرح الروض قال الإمام وقد يرى القاضي فيما إذا قالوا أخطأنا تعزيرهم لتركهم التحفظ نقله عنه الأصل وأقره وحذفه المصنف لقول الإسنوي : المعروف عدم التعزير فقد جزم به القفال والقاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ والبغوي والروياني والقاضي مجلي لكن جمع الأذرعي بين الكلامين بأن هؤلاء أرادوا أنه لا يتحتم التعزير بل هو راجع إلى رأي الحاكم كما قال الإمام ا هـ . ( قوله : إلا إن صدقتهم العاقلة ) بخلاف ما إذا كذبتهم العاقلة قال في الروض : ولا يمين عليها أي : لو ادعوا أنها تعرف خطأهم وأن عليهم الدية وأنكرت ذلك والمعتمد أن عليها يمين نفي العلم إذا طلبوا تحليفهما ش م ر . ( قوله : دون الثاني ) أي : لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطئ أو بخطأ . ( قوله : ويجاب بمنع ذلك ) فيه ما فيه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي : الحكم ) إلى قوله وبه يبطل في المغني إلا قوله أو حل . ( قوله : أو فسخ ) يغني عنه ما قبله . ( قوله : لأن الحكم ) إلى قوله أو ظننا في النهاية إلا قوله فينقض حكمه ما لم يتهم وما أنبه عليه . ( قوله : وليس هذا مما يسقط بالشبهة ) أي : حتى يتأثر بالرجوع نهاية . ( قوله : وشرب ) أي : وسرقة نهاية . ( قوله : لأنها تسقط بالشبهة ) أي : والرجوع شبهة مغني . ( قوله : أي : استيفائها ) عبارة المغني أي : استيفاء المحكوم به ا هـ . ( قوله : لجواز كذبهم إلخ ) أي : ولتأكد الأمر نهاية ومغني . ( قوله : عكس هذا ) أي : صدقهم في الرجوع ع ش . ( قوله : أي : بعلمه أو ببينة ) أي : إذا كان سبب الرجوع علمه ببطلان حكمه أو شهادة بينة عليه ببطلان حكمه قاله ع ش وهذا مبني على أن الباء متعلقة بيرجع والظاهر أنها متعلقة بحكمه .

                                                                                                                              ( قوله : ووجهه ) أي : ما قاله السبكي . ( قوله : إلا إن بين إلخ ) راجع إلى قول السبكي ويحتمل إلى قول الشارح فلم يجز له الرجوع . ( قوله : ومحل ذلك ) يعني جواز رجوع الحاكم عن الحكم إذا بين مستنده رشيدي . ( قوله : والحكم بالموجب ) انظر هذا مع ما تقدم في الهبة ع ش . ( قوله : لأن كلا منهما إلخ ) علة لقوله بخلاف الثبوت إلخ . ( قوله : لأن كلا منهما لا يقتضي صحة الثابت إلخ ) أي : فلم يكن هناك شيء يتوجه إليه الرجوع رشيدي . ( قوله : ولا المحكوم به ) أي : ولا صحة ما حكم بموجبه . ( قوله : لأن الشيء إلخ ) هذا إنما يناسب المعطوف عليه فقط وقوله : ولأن الحكم إلخ لا يناسب واحدا من المعطوفين فكان المناسب للمعطوف أن يقول ما قدمنا عن النهاية والأسنى في آخر باب القضاء ولأن معنى الحكم بالموجب أنه إذا ثبت الملك صح فكأنه حكم بصحة الصيغة ا هـ . ( قوله : فحينئذ ) أي : حين إذ حكم الحاكم بالصحة . ( قوله : ومنها ) أي : شروط الصحة . ( قوله : بها ) أي : بالصحة . ( قوله : ويقبل قوله : إلخ ) أي : لأنه أمين نهاية . ( قوله : قيل إلخ ) عبارة النهاية وظاهر ما ذكر عدم احتياجه في دعوى الإكراه لقرينة ولعل وجه خروجه عن نظائره فخامة منصب الحاكم ويتعين فرضه في مشهور إلخ قال ع ش قوله : لقرينة أي : ولا لبيان من أكرهه ا هـ . ( قوله : لا كنت إلخ ) عطف على قوله بأن لي إلخ . ( قوله : في نفس ) إلى قوله أو ظننا في المغني . ( قول المتن أو جلده ) أو قطع سرقة أو نحوها مغني وروض . ( قوله : أي : الزنا إلخ ) عبارة المغني بلفظ المصدر المضاف لضمير الزنا ولو حذفه كان أخصر وأعم ليشمل جلد [ ص: 280 ] قذف وشرب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : من القود أو الحد ) عبارة المغني والروض المجلود فجعلا الموت قيدا للجلد فقط وهو المتعين لأن ما قبله غير القصاص في طرف لا يحتاج إلى التقييد بالموت والقصاص في طرف غير مقيد به . ( قوله : وعلمنا أنه يقتل إلخ ) هو ليس بقيد بل مثله ما إذا سكتوا رشيدي . ( قوله : أو جهلنا ذلك إلخ ) عبارة النهاية والروض مع شرحه ولا أثر لقولهم بعد رجوعهم لم نعلم أنه يقتل بقولنا إلا لقرب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فيكون شبه عمد في مالهم مؤجلا بثلاث سنين ما لم تصدقهم العاقلة ا هـ . ( قوله : لأن هذا إلخ ) أي : قولهم وظننا أننا نجرح إلخ . ( قوله : وعليه ) أي : على الظهور المذكور . ( قوله : كلام الرافعي ) أي : بحثه المذكور . ( قوله : أو قال ) إلى المتن في المغني وإلى قوله واعترضه البلقيني في النهاية . ( قوله : أو قال كل إلخ ) عطف على قول المتن قالوا تعمدنا . ( قوله : أو اقتصر إلخ ) أو قال كل تعمدت وتعمد صاحبي روض ونهاية . ( قوله : ولي القاتل إلخ ) الأولى ولي الدم كما في الأسنى والمغني ، وعبارة النهاية ما لم يعترف القاتل ا هـ . قال الرشيدي : يعني من قتل واستوفينا منه القصاص وظاهر أن مثله المقتول ردة أو رجما مثلا فكان الأولى إبدال لفظة القاتل بالمقتول ا هـ . ( قوله : بشرطه ) وهو المكافأة ع ش . ( قوله : ومنه ) أي : شرط القصاص . ( قوله : وبهذا إلخ ) أي : بالتصوير المذكور . ( قوله : وأفهم ) إلى المتن في المغني . ( قوله : ثم يرجمون ) ولا يضر في اعتبار المماثلة عدم معرفة محل الجناية من المرجوم ولا قدر الحجر وعدده قال القاضي لأن ذلك تفاوت يسير لا عبرة به وخالف في المهمات فقال يتعين السيف لتعذر المماثلة أسنى ومغني . ( قوله : في مالهم ) إلى قوله واعترضه البلقيني في المغني إلا ما أنبه عليه . ( قوله : إلا إن صدقتهم العاقلة ) كذا في الروض والنهاية ، وعبارة المغني والأسنى إن كذبتهم العاقلة فإن صدقتهم فعليهم الدية وكذا إن سكتت كما هو ظاهر كلام كثير خلافا لما يفهمه كلام الروض فإن صدقتهم لزمها الدية .

                                                                                                                              ( فرع ) لو ادعوا أن العاقلة تعرف خطأهم هل لهم تحليفها أو لا ؟ وجهان أوجههما أن لهم ذلك كما رجحه الإسنوي لأنها لو أقرت غرمت خلافا لما جرى عليه ابن المقري من عدم التحليف ا هـ . وقوله : فرع إلخ كذا في النهاية . ( قوله : أما لو قال إلخ ) ولو قال كل تعمدت وأخطأ صاحبي فلا قصاص أو قال أحدهما تعمدت وصاحبي أخطأ أو قال تعمدت ولا أدري أتعمد صاحبي أم لا وهو ميت أو غائب لا تمكن مراجعته أو اقتصر على تعمدت وقال صاحبه أخطأت فلا قصاص وعلى المتعمد قسط من دية مغلظة وعلى المخطئ قسط من مخففة نهاية ومغني وروض مع شرحه . ( قوله : وقال صاحبه إلخ ) أي : أو هو غائب أو ميت روض ونهاية ومغني . ( قوله : دون الثاني ) أي : لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطئ أو بخطأ أسنى ومغني و سم . ( قوله : ويجاب بمنع ذلك إلخ ) [ ص: 281 ] فيه ما فيه سم .

                                                                                                                              ( قوله : فليس إلخ ) أي : الشاهد بالباقي . ( قوله : بجامع أن كلا ) أي : من المخطئ والشاهد الباقي . ( قوله : وعلم منه ) إلى المتن في المغني وإلى قول المتن ولو رجع شهود مال في النهاية إلا قوله ولا شهدوا له إلى وإعادة ضمير الجمع . ( قوله : منه ) أي : مما مر في الجراح . ( قوله : أن محل هذا ) أي : وجوب القود أو الدية عليهم أو على أحدهم . ( قوله : فالقود ) أي : أو الدية




                                                                                                                              الخدمات العلمية