الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما توليه النساء والصبيان والرجال بحيث يزول عقل أحدهم ويبقى مسلوب العقل ، فهذا من المحرمات التي يستحق فاعلها غليظ العقوبات . فكل من قصد أن يزيل عقله بسبب من الأسباب فإنه آثم عاص معتد ، حتى قد حرم الله ما يزيل العقل بعض يوم كشراب الخمر ، وحرم قليل الخمر وإن كان لا يسكر لأنه يدعو إلى كثيرها ، مع ما في [ ص: 398 ] الخمرة من اللذة والمنفعة ، فكيف إذا أزيل العقل بلا منفعة ؟

ولهذا إنما يتوله أحدهم إذا لبسه الشيطان ، وإن تمكن منه صار لا يعقل ، وإن كان يعتريه بعض الأوقات أو يعتريه في حال السماع كان بمنزلة المجنون الذي يصرع في بعض الأوقات . ولهذا يتكلم الشياطين على لسان أحدهم إذا أخذه الحال الشيطاني وقت السماع ، كما يتكلم الجني على لسان المصروع ، ويتكلم أحدهم بكلام لا يعرفه بلغات لا يحسنها كما يسمع من المصروع ، وإذا فارقه الحال الشيطاني لم يدر ما تكلم على لسانه ، ولكن الحاضرون يقولون له : قلت كذا وقلت كذا ، وهو لا يعرف بشيء من ذلك ، كما يقول للمصروع : قلت كذا وقلت كذا ، والمصروع لا يعرف شيئا مما تكلم به الشيطان على لسانه .

ولهذا لا تأتيهم الأحوال الشيطانية عند أمر الله به ورسوله ، مثل الصلوات الخمس وقيام الليل وقراءة القرآن بالتدبر والطواف بالبيت ، بل تأتيهم عند المنكرات التي لا يحبها الله ورسوله . وكلما كان الشر أعظم كان الحال الشيطاني أقوى ، فإذا سمعوا مزامير الشيطان ، وحركوا الأردان ، وتراقصوا كالدباب ، ومزقوا الثياب ، وارتفعت الأصوات كرغاء البعير وخوار الثيران ، وثارت الأرواح المنتنة وحضر النساء والمردان تنزلت عليهم الشياطين وجند إبليس اللعين ، فسقاهم الشراب الشيطاني ، وسلبهم الحال الإيماني ، حتى لو أراد أحدهم أن يذكر الله ويقرأ القرآن ويصلي بخشوع لما أطاق ذلك ، بل كثير منهم يعيطون في الصلوات بالشخير والنخير والصوت الذي يشبه نهيق الحمير ، وإن [ ص: 399 ] صلوا صلوا بقلوب غافلة لاهية ، صلاة لا يذكرون الله فيها إلا قليلا ، ينقرونها نقرا ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : «تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا » .

التالي السابق


الخدمات العلمية