الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولا يرد ما سيأتي في الجمعة أن المسبوق لو رأى الإمام يتشهد نوى الجمعة لاحتمال نسيانه بعض أركانها فيأتي بركعة ; لأنه إنما يتابعه فيما يأتي إذا علم ذلك كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى وهنا لم يعلم ، ومحل لزوم المتابعة فيما ذكره المصنف ما لم يتيقن غلطه في سجوده فإن تيقن ذلك لم يتابعه كأن كتب أو أشار أو تكلم قليلا جاهلا وعذر أو أسلم عقب سجوده فرآه هاويا للسجود لبطء حركته أو لم يسجد لجهله به فأخبره أن سجوده لترك الجهر أو السورة فلا إشكال حينئذ في تصوير ذلك .

                                                                                                                            وما استشكل به حكمه من أن من ظن سهوا فسجد فبان عدمه يسجد ثانيا لسهوه بالسجود فبفرض عدم سهو الإمام فسجوده وإن لم يقتض موافقة المأموم يقتضي سجوده . جوابه أن الكلام إنما هو في أنه لا يوافقه في هذا السجود ; لأنه غلط ، وأما كونه يقتضي سجوده للسهو بعد نية المفارقة أو سلام الإمام لمدرك آخر فتلك مسألة أخرى ليس الكلام فيها مع وضوح حكمها ، وما استشكل به استثناؤه من أن هذا الإمام لم يسه فكيف يستثنى من سهو الإمام . جوابه أنه استثناء صورة ( وإلا ) أي وإن لم يسجد إمامه بأن تركه متعمدا أو ساهيا أو معتقدا كونه بعد سلامه ( فيسجد ) المأموم بعد سلام إمامه ( على النص ) لجبر الخلل الحاصل في صلاته من صلاة إمامه ، بخلاف ما لو ترك التشهد الأول أو سجدة التلاوة لا يأتي بهما المأموم لوقوعهما خلال الصلاة ، فلو انفرد بهما لخالف الإمام ، واختلت المتابعة ، وما هنا إنما يأتي به بعد سلام إمامه كما تقرر ، وفي قول مخرج لا يسجد ; لأنه لم يسه وإنما سها الإمام وسجوده معه كان للمتابعة ، فإذا لم يسجد المتبوع فالتابع أولى ، وظاهر كلامهم أن سجود السهو بفعل الإمام له يستقر على المأموم ويصير كالركن ، حتى لو سلم بعد سلام إمامه ساهيا عنه [ ص: 87 ] لزمه أن يعود إليه إن قرب الفصل ، وإلا أعاد صلاته كما لو ترك ركنا منها ، ولو سجد الإمام بعد فراغ المأموم الموافق أقل التشهد لزم المأموم موافقته في السجود .

                                                                                                                            ويندب له موافقته في السلام فيما يظهر ، وإن اقتضى كلام بعضهم لزومه فيه أيضا ; لأن للمأموم التخلف بعد سلام الإمام أو قبل أقله تابعه حتما على ما اقتضاه كلام الخادم كالبحر ثم يتم تشهده كما لو سجد للتلاوة وهو في الفاتحة ، وعليه فهل يعيد السجود ؟ فيه احتمالان ، ومقتضى كلام الزركشي في خادمه إعادته .

                                                                                                                            ويوجه بأنه قياس ما تقرر في المسبوق ، وقد يوجه القول بعدم إعادته . ويفرق بينه وبين المسبوق بأن الجلوس الأخير محل سجود السهو في الجملة كما صرحوا به في السورة قبل الفاتحة أن لا يسجد لنقلها ; لأن القيام محلها في الجملة . هذا والذي أفتى به الوالد رحمه الله تعالى أنه يجب عليه إتمام كلمات التشهد الواجبة ثم يسجد للسهو . ولو تخلف المأموم بعد سلام إمامه ليسجد فعاد الإمام للسجود لم يتابعه سواء أسجد قبل عود إمامه أم لا لقطعه القدوة بسجوده في الأولى وباستمراره في الصلاة بعد سلام إمامه في الثانية بل يسجد فيهما منفردا ، بخلاف ما لو قام المسبوق ليأتي بما عليه فالقياس كما قاله الإسنوي لزوم العود للمتابعة ، والفرق أن قيامه لذلك واجب وتخلفه ليسجد مخير فيه وقد [ ص: 88 ] اختاره فانقطعت القدوة ، فلو سلم المأموم معه ناسيا فعاد الإمام للسجود لزمه موافقته فيه لموافقته له في السلام ناسيا ، فإن تخلف عنه بطلت صلاته حيث لم يوجد ما ينافي السجود ، فإن وجد فلا كحدثه أو نية إقامته وهو قاصر أو بلوغ سفينته دار إقامته أو نحو ذلك ، وإن سلم عمدا فعاد الإمام لم يوافقه لقطعه القدوة بسلامه عمدا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ما لم يتيقن ) أي المأموم غلطه : أي الإمام ( قوله : كأن كتب ) أي الإمام ( قوله : فلا إشكال حينئذ في تصوير ذلك ) أي تيقن غلط الإمام ( قوله : مع وضوح حكمها ) من أنه يسجد لسجود الإمام ; لأنه فعل ما يبطل عمده ( قوله : أو معتقدا كونه بعد سلامه ) بأن كان مخالفا ( قوله : ما لو ترك ) أي الإمام ( قوله : فلو انفرد ) أي المأموم ( قوله : يستقر على المأموم ) ظاهره ولو مسبوقا .

                                                                                                                            وعبارة حج تنبيه : قضية كلامهم أن سجود السهو بفعل الإمام له يستقر على المأموم ويصير كالركن حتى لو سلم بعد سلام إمامه ساهيا عنه لزمه أن يعود [ ص: 87 ] إليه إن قرب الفصل ، وإلا أعاد صلاته كما لو ترك منها ركنا ، ولا ينافي ذلك ما يأتي أنه لو لم يعلم بسجود إمامه للتلاوة إلا وقد فرغ منه لم يتابعه ; لأنه ثم فات محله بخلافه هنا ا هـ .

                                                                                                                            أقول : قضية هذا الفرق أن المسبوق لا يستقر عليه سجود السهو بفعل الإمام ; لأنه مات محله بفراغ الإمام منه لفوات المتابعة كما في سجود التلاوة ، ثم رأيت سم على حج صرح به ، وقوله بفعل الإمام له يستقر على المأموم هو مفروض فيما إذا سجد الإمام قبل السلام ، فلو كان حنفيا مثلا يرى السجود بعد السلام فسلم عامدا ثم سجد هل يستقر على المأموم بفعل الإمام له أو لا لانقطاع القدوة بالسلام فيصير كما لو سلم الإمام ولم يسجد فيسجد المأموم ندبا لجبر الخلل الواقع في صلاته .

                                                                                                                            قال سم على حج : الأقرب الثاني ، وهو ظاهر ، ويعلل بما تقدمت الإشارة إليه بأنه بسلام الإمام انقطعت القدوة وصار المأموم منفردا فلم يبق بينه وبين الإمام ارتباط حتى يستقر عليه بفعله ، وكتب على سم شيخنا العلامة الشوبري : لا وجه لهذا التردد ; لأنه بسلام الإمام انقطعت القدوة فهو باق على سنيته ولا يستقر عليه بسجود الإمام .

                                                                                                                            [ فائدة ] لو أخر الإمام السلام بعد سجوده وقد سها المأموم عن سجوده ثم تذكره قبل سلام الإمام فيظهر أنه يسجد ولا ينتظر سلام الإمام كما لو سبقه الإمام بأقل من ثلاثة أركان طويلة لسهوه عن متابعته فإنه يمشي على نظم صلاة نفسه . ا هـ سم على حج . ( قوله : لزمه أن يعود إليه ) معتمد ( قوله : لأن للمأموم التخلف بعد سلام الإمام ) أي فلا يكون سجوده مع الإمام مانعا له من الأذكار المأثورة أو غيرها ( قوله : وعليه فهل يعيد ) أي المأموم ( قوله : أنه يجب عليه إلخ ) أي فلا يتابع الإمام في السجود ( قوله : ثم يسجد للسهو ) خلافا لحج .

                                                                                                                            أقول : والأقرب ما قاله حج وذلك ; لأن الأصل وجوب متابعة الإمام في فعله فلا يتركها إلا لعارض . اللهم إلا أن يقال : إن هذا كبطء القراءة فيعذر في تخلفه لإتمامه كما يعذر ذلك في إتمام الفاتحة ( قوله : بعد سلام إمامه ) أي ناسيا أن عليه ما يقتضي السجود ( قوله : بل يسجد فيهما منفردا ) أي المأموم وهو ظاهر في الصورة الثانية . أما في الأولى فلعل المراد أنه يعتد بسجوده منفردا [ ص: 88 ] لظهور أنه لا يطلب منه سجود بل لا يصح حيث سجد قبل عود إمامه ( قوله : حيث لم يوجد ) أي من المأموم ( قوله : فإن وجد ) أي من المأموم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 87 ] ( قوله : لأن للمأموم التخلف بعد سلام الإمام ) وظاهر أنه حينئذ لا يأتي بشيء من أذكار التشهد ولا أدعيته ; لأن سجوده وقع في محله وليس لمحض المتابعة ، وسجود السهو المحسوب لا يعقبه إلا السلام كما سيأتي ما يصرح به ، غاية الأمر أنه اغتفر له التخلف فلا تبطل به صلاته خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : إنه يجب عليه إتمام كلمات التشهد ) أي بلا متابعة كما هو ظاهر السياق فليراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية