الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1214 [ 618 ] وعن عبد الله بن عمرو قال : حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة . قال : فأتيته فوجدته يصلي جالسا ، فوضعت يدي على رأسه فقال : ما لك يا عبد الله بن عمرو ! ، قلت : حدثت يا رسول الله أنك قلت : صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا ! ! قال : أجل ، ولكني لست كأحد منكم .

                                                                                              رواه مسلم (735)، وأبو داود (950)، وابن ماجه (1229) .

                                                                                              [ ص: 371 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 371 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة : يعني في الأجر ، مع عدم العذر المانع من القيام ، وعليه حمله الثوري وابن الماجشون وابن شعبان . وحمله بعضهم على من رخص له في الصلاة جالسا من أصحاب الأعذار الذين لو كلفوا ذلك لقدروا على القيام بمشقة ، وهذا يطرد في الفرض والنفل ، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق ، ومنع الشافعي من صلاة الفرض قاعدا ، إلا مع عدم القدرة على القيام ، ويجوز ذلك في النفل مع القدرة بالإجماع ، وأما من عجز عن القيام لعذر مانع منه فأجره إن شاء الله تعالى تام كامل ; لأنه فعل عبادته على كمالها في حقه ولم يقصر فيها : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ الأنعام :160 ] وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما خرجه الترمذي - وصححه - ، من حديث الأربعة النفر حيث قال فيه : إنما الدنيا لأربعة نفر : رجل آتاه الله مالا وعلما ، فهو يتقي الله ربه ، ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقا ، فهذا بأفضل المنازل ، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا ، فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فأجرهما سواء ، وهذا نص في الغرض .

                                                                                              وقوله : فوضعت يدي على رأسه : هذا يدل على عظيم تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - وحنانه وحسن أخلاقه ، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم ; إذ كان يباسطهم ويمازحهم ، ويكون معهم في عملهم ، ولا يستأثر عليهم ، ولا يترفع عنهم ، ولذلك كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ [ ص: 372 ] بيده وتنطلق به حيث شاءت ، ويجلس يحدثها حيث أرادت . ومن كانت هذه حاله ، فلا يستنكر من بعض أصحابه أن يعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال ، سيما وكان مقصود عبد الله : أن يقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى يجيبه عما وقع في خاطره من هذا الأمر الديني المهم في حقه ، والله تعالى أعلم . وهذا كله على ما صح عندنا من الرواية " على رأسه " وظاهره : أنه عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكر لي أن بعض الناس رواه : رأسيه ، فألحق به ياء المتكلم وهاء السكت ، ووجهها واضح لو ثبت ، وأظن أنه إصلاح ورأي ، لا رواية . ويقرب من فعل عبد الله فعل جبريل - عليه السلام - معه ; حيث أسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، على قول من قال : إنه أراد فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصحيح .

                                                                                              وقوله : أجل ; أي : نعم .

                                                                                              وقوله : لست كأحد منكم ; أي : لا يكون له في صلاته قاعدا نصف الأجر ، بل أكثر من ذلك ، أو الأجر كله ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون معناه : لست كأحد منكم ممن لا عذر له ، ممن قلت له هذا القول ; فإنه لم يصل قاعدا حتى ثقل ، والأول أظهر .




                                                                                              الخدمات العلمية