الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          11 - باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر

                                                                                                          549 551 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) بن قيس الأنصاري ( عن واقد ) بالقاف ( ابن عمرو ) بفتح العين ( ابن سعد بن معاذ ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني ، ثقة ، روى له مسلم والثلاثة ، ومات سنة عشرين ومائة ، وثبت قوله ابن عمرو لجميع الرواة إلا يحيى فقال : واقد بن سعد نسبة إلى جده سيد الأوس ( عن نافع بن جبير بن مطعم ) بن عدي القرشي النوفلي ، ثقة ، فاضل من رجال الجميع ، مات سنة تسع وتسعين ( عن مسعود بن الحكم ) بن الربيع بن عامر الأنصاري الزرقي المدني ، له رؤية ورواية عن بعض الصحابة ، ففي الإسناد أربعة من التابعين في نسق من حيث الرواية ( عن علي بن أبي طالب ) أمير المؤمنين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ) وأمر بذلك أيضا كما صح من حديث عامر بن ربيعة وأبي سعيد وأبي هريرة ، ولابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت : " كنا معه صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت ، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان ، وما سألناه عن قيامه " وفي الصحيحين عن جابر : " مر بنا جنازة فقام لها النبي وقمنا ، فقلنا إنها جنازة يهودي ، قال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا " زاد مسلم : " إن الموت فزع " وفي الصحيحين عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد . فقال صلى الله عليه وسلم : " أليست نفسا " وللحاكم عن أنس وأحمد عن [ ص: 100 ] أبي موسى مرفوعا : " إنما قمنا للملائكة " ولأحمد وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " إنما قمنا إعظاما للذي يقبض النفوس " ولفظ ابن حبان : " الله الذي يقبض الأرواح " ولا منافاة بين هذه التعاليل ; لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة ، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الميت لإشعاره بالتساهل بأمر الموت ولذا استوى كون الميت مسلما أو غير مسلم .

                                                                                                          وأما ما أخرجه أحمد عن الحسن بن علي إنما قام صلى الله عليه وسلم تأذيا بريح اليهودي . زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بتحتية ومعجمة : فإذا ريح بخورها . وللبيهقي والطبراني من وجه آخر عن الحسن : كراهية أن يعلو على رأسه فلا تعارض الأخبار الأولى ; لأن أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة ولأن هذا التعليل فهمه الراوي والتعليل الماضي لفظه صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يسمع تصريحه بالتعليل فعلل باجتهاده ( ثم جلس بعد ) بالبناء على الضم والقيام والجلوس في موضعين : أحدهما لمن مرت به والثاني لمن يشيعها يقوم لها حتى توضع ، والجلوس ناسخ للقيام في الموضعين ، قاله الباجي . وقال البيضاوي : يحتمل قوله بعد ، أي بعد أن جازته وبعدت عنه ، ويحتمل أنه كان يقوم في وقت ثم تركه أصلا ، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن الأمر بالقيام للندب أو نسخ للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر ، والأول أرجح ; لأن احتمال المجاز أولى من دعوى النسخ ، قال الحافظ : والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي في حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ، ثم حدثهم بالحديث ، ولذا قال بكراهة القيام جماعة ، انتهى .

                                                                                                          وقال مالك : جلوسه صلى الله عليه وسلم ناسخ لقيامه ، واختار أن لا يقوم . وقال الشافعي في الأم : قيامه إما منسوخ أو قام لعلة ، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي . وقال ابن حزم : قعوده يدل على أن أمره للندب ولا يجوز أنه نسخ ; لأنه إنما يكون بنهي أو ترك معه نهي . قال الحافظ : قد ورد النهي عن عبادة ، قال : " كان صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود ، فقال : هكذا نفعل ، فقال : اجلسوا وخالفوهم " أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ . وقال عياض : ذهب جمع من السلف إلى نسخه بحديث علي وتعقبه النووي بأنه إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن باحتمال أنه جلس لبيان الجواز ، قال : والمختار أن القيام مستحب ، وبه قال المتولي ، انتهى . ورده الأذرعي بأن الذي فهمه علي رضي الله تعالى عنه الترك مطلقا وهو الظاهر ، ولذا أمر بالقعود من رآه قائما واحتج بالحديث . وقال ابن الماجشون وابن حبيب : قعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر . وهذا الحديث رواه مسلم من طريق الليث وغيره عن يحيى بن سعيد مطولا بقصة ، وساقه بعد أحاديث الأمر بالقيام ففيه إيماء إلى نسخه ، وبه جزم الترمذي .




                                                                                                          الخدمات العلمية