الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان أن النكاح هل ينعقد بعاقد واحد أو لا ينعقد إلا بعاقدين فقد اختلف في هذا الفصل ، قال أصحابنا : ينعقد بعاقد واحد إذا كانت له ولاية من الجانبين ، سواء كانت ولايته أصلية ، كالولاية الثابتة بالملك والقرابة ، أو دخيلة كالولاية الثابتة بالوكالة ; بأن كان العاقد مالكا من الجانبين كالمولى إذا زوج أمته من عبده ، أو كان وليا من الجانبين ، كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة ، والأخ إذا زوج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير أو كان أصيلا ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه ، أو كان وكيلا من الجانبين ، أو رسولا من الجانبين ، أو كان وليا من جانب ووكيلا من جانب آخر ، أو وكلت امرأة رجلا ليتزوجها من نفسه ، أو وكل رجل امرأة لتزوج نفسها منه ، وهذا مذهب أصحابنا الثلاثة .

                                                                                                                                وقال زفر : لا ينعقد النكاح بعاقد واحد أصلا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : لا ينعقد إلا إذا كان وليا من الجانبين .

                                                                                                                                ولقب المسألة أن الواحد هل يجوز أن يقوم بالنكاح من الجانبين أم لا ؟ ( وجه ) قول زفر والشافعي أن ركن النكاح اسم لشطرين مختلفين وهو : الإيجاب والقبول ، فلا يقومان إلا بعاقدين كشطري البيع ، إلا أن الشافعي يقول في [ ص: 232 ] الولي ضرورة لأن النكاح لا ينعقد بلا ولي ، فإذا كان الولي متعينا فلو لم يجز نكاح المولية لامتنع نكاحها أصلا ، وهذا لا يجوز ، وهذه الضرورة منعدمة في الوكيل ونحوه ، ولنا قوله تعالى { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } قيل نزلت هذه الآية في يتيمة في حجر وليها ، وهي ذات مال ( ووجه ) الاستدلال بالآية الكريمة أن قوله تعالى { لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } خرج مخرج العتاب ، فيدل على أن الولي يقوم بنكاح وليته وحده ، إذ لو لم يقم وحده به لم يكن للعتاب معنى ، لما فيه من إلحاق العتاب بأمر لا يتحقق .

                                                                                                                                وقوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } أمر سبحانه وتعالى بالإنكاح مطلقا من غير فصل بين الإنكاح من غيره أو من نفسه ; ولأن الوكيل في باب النكاح ليس بعاقد بل هو سفير عن العاقد ومعبر عنه بدليل أن حقوق النكاح والعقد لا ترجع إلى الوكيل ، وإذا كان معبرا عنه وله ولاية على الزوجين ; فكانت عبارته كعبارة الموكل ; فصار كلامه ككلام شخصين فيعتبر إيجابه كلاما للمرأة ، كأنها قالت زوجت نفسي من فلان ، وقبوله كلاما للزوج ; كأنه قال قبلت فيقوم العقد باثنين حكما والثابت بالحكم ملحق بالثابت حقيقة .

                                                                                                                                وأما البيع فالواحد فيه إذا كان وليا يقوم بطرفي العقد ، كالأب يشتري مال الصغير لنفسه ، أو يبيع مال نفسه من الصغير ، أو يبيع مال ابنه الصغير من ابنه الصغير ، أو يشتري ، إلا أنه إذا كان وكيلا لا يقوم بهما ; لأن حقوق العقد مقتصرة على العاقد ، فلا يصير كلام العاقد كلام الشخصين ; ولأن حقوق البيع إذا كانت مقتصرة على العاقد وللبيع أحكام متضادة من التسليم والقبض والمطالبة ، فلو تولى طرفي العقد لصار الشخص الواحد مطالبا ومطلوبا ومسلما ومتسلما وهذا ممتنع - والله عز وجل أعلم - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية