الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في زكاة الحلي

                                                                                                          635 حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن الحارث بن المصطلق عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود عن شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا وائل يحدث عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال أبو عيسى وهذا أصح من حديث أبي معاوية وأبو معاوية وهم في حديثه فقال عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث إبن أخي زينب وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في الحلي زكاة وفي إسناد هذا الحديث مقال واختلف أهل العلم في ذلك فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين في الحلي زكاة ما كان منه ذهب وفضة وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ليس في الحلي زكاة وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في زكاة الحلي ) بضم الحاء وكسرها فكسر اللام وتشديد التحتية جمع الحلي بفتح فسكون ، قال في القاموس : الحلي بالفتح ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة ج : حلي كدلي ، أو هو جمع والواحد حلية كظبية ، والحلية بالكسر الحلي ج : حلى وحلى انتهى .

                                                                                                          وقال في النهاية : الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة ، والجمع حلى بالضم والكسر ، وجمع الحلية حلى ، مثل : لحية ولحى وربما تضم ، وتطلق الحلية على الصفة أيضا ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فقال : يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ) قال أبو الطيب السندي في شرح [ ص: 224 ] الترمذي : مناسبته بالترجمة باعتبار أن الأمر فيه للوجوب ؛ لأن الأصل فيه ذلك ، أي : تصدقن وجوبا ، ولو كانت الصدقة من حليكن وهو الذي فهمه المصنف ، وأما القول بأنه أمر ندب بالصدقة النافلة ؛ لأنه خطاب للحاضرات ولم تكن كلهن ممن فرضت عليهن الزكاة . والظاهر أن معنى قوله : " ولو من حليكن " أي ولو تيسر من حليكن ، وهذا لا يدل على أنه يجب في الحلي ، إذ يجوز أن يكون واجبا على الإنسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي ، فذكر المصنف الحديث في هذا الباب لا يخلو عن خفاء ، فعدول عن الأصل الذي هو الوجوب ، وتغيير للمعنى الذي هو الظاهر ؛ لأن معناه تصدقن من جميع الأموال التي تجب فيها الزكاة عليكن ، ولو كانت الصدقة الواجبة من حليكن ، وإنما ذكر " لو " لدفع توهم من يتوهم أن الحلي من الحوائج الأصلية ولا تجب فيها الزكاة ويؤيد هذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم- ( فإنكن أكثر أهل جهنم ) ، أي لترك الواجبات .

                                                                                                          وأما كون الخطاب للحاضرات خصوصا فممنوع ، بل الخطاب لكل من يصلح للخطاب ، نعم فيه تلميح إلى حسن الصدقة في حق غير الغنيات فلا يرد أن كون الأمر للوجوب لا يستقيم ، ويؤيده ما في آخر هذا الحديث في البخاري : قالت زينب لعبد الله : قد أمرنا بالصدقة فأته فسله ، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم . . . . . الحديث ؛ لأن النوافل من الصدقات ، لا كلام في جوازها لو صرفت إلى الزوج ، انتهى كلام أبي الطيب .

                                                                                                          قلت : في الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الحلي نظر ، فإنه ليس بنص صريح فيه لاحتمال أن يكون معنى قوله : ولو من حليكن ؛ أي ولو تيسر من حليكن كما قيل ، وهذا لا يدل على وجوب الزكاة في الحلي ؛ إذ يجوز أن يكون واجبا على الإنسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي ، وقد ذكر أبو الطيب هذا الاحتمال ولم يجب عن هذا جوابا شافيا فتفكر .

                                                                                                          قوله : ( وأبو معاوية وهم في حديثه فقال : عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب ، والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب ) كما قال شعبة ، فوهم أبي معاوية في [ ص: 225 ] حديثه ، أنه جعل عمرو بن الحارث وابن أخي زينب رجلين الأول يروي عن الثاني وليس الأمر كذلك ، بل ابن أخي زينب صفة لعمرو بن الحارث ، والحاصل أن زيادة لفظ " عن " بين عمرو بن الحارث وابن أخي زينب وهم والصحيح حذفه كما في رواية شعبة .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : وقد حكى ابن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة ، وخالف الترمذي في ترجيح رواية شعبة في قوله عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب لانفراد أبي معاوية بذلك .

                                                                                                          قال ابن القطان : لا يضره الانفراد ؛ لأنه حافظ ، وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه ، وقد زاد في الإسناد رجلا ، لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الإسناد ؛ لأن ابن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله ، وقد حكى الترمذي في العلل المفردات أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم ، وأن الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عن عمرو بن شعيب إلخ ) أخرجه الترمذي في هذا الباب وبين ما فيه من المقال .

                                                                                                          قوله : ( فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين في الحلي زكاة ما كان منه ذهب وفضة ) يعني أن اختلاف أهل العلم إنما هو في حلي الذهب والفضة ، وأما في حلي غير الذهب والفضة كاللؤلؤ فليس فيه اختلاف إذا لم يكن للتجارة .

                                                                                                          وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا زكاة في حجر ، وضعف بعمر الكلاعي ، وقال : إنه مجهول ، لا أعلم حدث عنه غير بقية ، وأحاديثه منكرة وغير محفوظة انتهى ، وأخرجه أيضا عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب به . وضعف العرزمي عند البخاري والنسائي والفلاس ووافقهم عليه في ذلك ، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عكرمة قال : ليس في حجر اللؤلؤ ولا حجر الزمرد زكاة إلا أن يكون للتجارة ، فإن كان للتجارة ففيه الزكاة ، كذا في نصب الراية ( وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك ) [ ص: 226 ] وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهم- ، وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وطاوس وميمون بن مهران والضحاك وعلقمة والأسود وعمر بن عبد العزيز وذر الهمداني والأوزاعي وابن شبرمة والحسن ابن حي ، وقال ابن المنذر وابن حزم : الزكاة واجبة بظاهر الكتاب والسنة ، كذا في عمدة القاري شرح البخاري للعلامة العيني .

                                                                                                          وفي نصب الراية : أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وطاوس وعبد الله بن شداد أنهم قالوا : في الحلي الزكاة . زاد ابن الشداد : حتى في الخاتم . وأخرج عن عطاء أيضا وإبراهيم النخعي قالوا : السنة أن في الحلي الذهب والفضة الزكاة ، انتهى .

                                                                                                          وفيه أيضا روى ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا وكيع ، عن مساور الوراق عن شعيب بن يسار قال : كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يزكين حليهن . قال البخاري في تاريخه : هو مرسل انتهى . وقال الحافظ في الدراية : أخرج ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف أن عمر كتب إلخ ، وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود قال : في الحلي الزكاة ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه ، ذكره الحافظ الزيلعي وابن حجر في تخريجهما وسكتا عنه . وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي نسائه كل سنة ، ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن جرير بن حازم عن ابن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو أنه كان يأمر نساءه أن يزكين حليهن ، انتهى .

                                                                                                          قال في سبل السلام : وفي المسألة أربعة أقوال :

                                                                                                          الأول : وجوب الزكاة ، وهو مذهب الهدوية وجماعة من السلف وأحد أقوال الشافعي عملا بهذه الأحاديث .

                                                                                                          والثاني : لا تجب الزكاة في الحلية ، وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله لآثار وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية ، ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للآثار .

                                                                                                          والثالث : أن زكاة الحلية عاريتها ، كما روى الدارقطني عن أنس وأسماء بنت أبي بكر .

                                                                                                          الرابع : أنها تجب فيها الزكاة مرة واحدة رواه البيهقي عن أنس ، وأظهر الأقوال دليلا وجوبها لصحة الحديث وقوته ، انتهى .

                                                                                                          قلت : القول بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة هو الظاهر الراجح عندي يدل عليه أحاديث ، فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي روى أبو داود في سننه من طريق حسين بن ذكوان المعلم عنه وهو حديث صحيح كما ستعرف .

                                                                                                          [ ص: 227 ] ومنها حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت : يا رسول الله ، أكنز هو؟ فقال : إذا أديت زكاته فليس بكنز أخرجه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم . كذا في بلوغ المرام . وقال الحافظ في الدراية : قواه ابن دقيق العيد .

                                                                                                          ومنها : حديث عائشة رواه أبو داود عن عبد الله بن شداد أنه قال : دخلنا على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت : دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى في يدي فتخات من ورق ، فقال : ما هذا يا عائشة؟ فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ، قال : أتؤدين زكاتهن؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : هو حسبك من النار وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وقال الحافظ في الدراية : قال ابن دقيق العيد : هو على شرط مسلم .

                                                                                                          ومنها : حديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد في مسنده حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : دخلت أنا وخالتي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا : أتعطيان زكاتها؟ فقلنا : لا ، قال : أما تخافان أن يسوركما الله أسوره من نار؟ أديا زكاتها؟ ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في الدراية : في إسناده مقال .

                                                                                                          وقال العيني في عمدة القاري : فإن قلت : قال ابن الجوزي : وعلي بن عاصم رماه يزيد بن هارون بالكذب ، وعبد الله بن خثيم قال ابن معين : أحاديثه ليست بالقوية ، وشهر بن حوشب قال ابن عدي : لا يحتج بحديثه . قلت : ذكر في الكمال : وسئل أحمد عن علي بن عاصم فقال : هو والله عندي ثقة ، وأنا أحدث عنه ، وعبد الله بن خثيم قال : ابن معين هو ثقة حجة ، وشهر بن حوشب قال أحمد : ما أحسن حديثه ووثقه ، وعن يحيى : هو ثقة ، وقال أبو زرعة : هو لا بأس به . فظهر من هذا كله سقوط كلام ابن الجوزي وصحة الحديث ، انتهى كلام العيني .

                                                                                                          قلت : علي بن عاصم متكلم فيه ، قال البخاري : ليس بالقوي عندهم يتكلمون فيه انتهى ، كذا في الميزان . وشهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في التقريب ، ففي صحة حديث أسماء بنت يزيد نظر ، لكن لا شك في أنه يصلح للاستشهاد .

                                                                                                          ومنها : حديث فاطمة بنت قيس قالت : أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بطبق فيه سبعون مثقالا من ذهب ، فقلت : يا رسول الله ، خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال . أخرجه الدارقطني وفي إسناده أبو بكر الهذلي وهو ضعيف ، ونصر بن مزاحم وهو أضعف منه ، وتابعه عباد بن كثير أخرجه أبو نعيم في ترجمة شيبان بن زكريا من تاريخه ، كذا في الدراية .

                                                                                                          [ ص: 228 ] ومنها حديث عبد الله بن مسعود قال : قلت للنبي- صلى الله عليه وسلم- : إن لامرأتي حليا من ذهب عشرين مثقالا قال : فأد زكاته نصف مثقال ،وإسناده ضعيف جدا أخرجه الدارقطني ، كذا في الدراية

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم ابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك : ليس في الحلي زكاة ) قال الحافظ في الدراية : قال الأثرم : قال أحمد : خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة : ابن عمر وعائشة وأنس وجابر وأسماء ، انتهى .

                                                                                                          فأما ابن عمر فهو عند مالك عن نافع عنه ، وأما عائشة فعنده أيضا وهما صحيحان ، وأما أنس فأخرجه الدارقطني من طريق علي بن سليمان : سألت أنسا عن الحلي فقال : ليس فيه زكاة ، وأما جابر فرواه الشافعي عن سفيان عن عمرو بن شعيب : سمعت رجلا سأل جابرا عن الحلي أفيه زكاة؟ قال : لا ، قال البيهقي في المعرفة : فأما ما يروى عن جابر مرفوعا : ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له ، وإنما يروى عن جابر من قوله ، وأما أسماء فروى الدارقطني من طريق هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكي نحوا من خمسين ألفا ، انتهى ما في الدراية .

                                                                                                          ( وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين ) كالقاسم بن محمد والشعبي فقالا : لا تجب الزكاة في الحلي ( وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق ) قال العيني : كان الشافعي يأخذ بهذا في العراق وتوقف بمصر ، وقال : هذا مما أستخير الله فيه . وقال الليث : ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه ، وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة . وقال أنس : يزكى عاما واحدا لا غير ، انتهى كلام العيني .

                                                                                                          واحتج لمن قال بعدم وجوب الزكاة في الحلي بحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " ليس في الحلي زكاة " ، رواه ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عنه .

                                                                                                          وأجيب عنه بأنه حديث باطل لا أصل له . قال البيهقي في المعرفة : وما يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : " ليس في الحلي زكاة " ، فباطل لا أصل له ، إنما يروى عن جابر من قوله . وعافية بن أيوب مجهول ، فمن احتج به مرفوعا كان مغرورا بدينه داخلا فيما يعيب المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين ، انتهى .

                                                                                                          وقال الشيخ في الإمام : رأيت بخطة شيخنا المنذري -رحمه الله- : وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه ، قال [ ص: 229 ] الشيخ : ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله ، انتهى .

                                                                                                          واحتج لهم أيضا بآثار ابن عمر وعائشة وأنس وجابر . وللقائلين بعدم وجوب الزكاة في الحلي أعذار عديدة كلها باردة ، فمنها أن أحاديث الزكاة في الحلي محمولة على أنها كانت في ابتداء الإسلام حين كان التحلي بالذهب حراما على النساء ، فلما أبيح لهن سقطت الزكاة ، وهذا العذر باطل ، قال البيهقي : كيف يصح هذا القول من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- وحديث فاطمة بنت قيس وحديث أسماء وفيها التصريح بلبسه مع الأمر بالزكاة ، انتهى .

                                                                                                          ومنها أن الزكاة المذكورة في هذه الأحاديث إنما كانت للزيادة على قدر الحاجة ، وهذا ادعاء محض لا دليل عليه ، بل في بعض الروايات ما يرده ، قال الحافظ الزيلعي : وبسند الترمذي رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق ابن راهويه في مسانيدهم ، وألفاظهم قال لهما : فأديا زكاة هذا الذي في أيديكما ، وهذا اللفظ يرفع تأويل من يحمله على أن الزكاة المذكورة فيه شرعت للزيادة فيه على قدر الحاجة ، انتهى .

                                                                                                          ومنها أن المراد بالزكاة في هذه الأحاديث التطوع إلى الفريضة ، أو المراد بالزكاة الإعارة ، قال القاري في المرقاة : وهما في غاية البعد إذ لا وعيد في ترك التطوع والإعارة مع أنه لا يصح إطلاق الزكاة على العارية لا حقيقة ولا مجازا ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية