الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فرائض الوضوء : غسل ما بين الأذنين [ ص: 78 ] ومنابت شعر الرأس المعتاد ، والذقن ، وظاهر اللحية ، فيغسل الوترة ، وأسارير جبهته ، وظاهر شفتيه بتخليل شعر تظهر البشرة [ ص: 79 ] تحته ، لا جرحا برئ ، أو خلق غائرا ، ويديه بمرفقيه وبقية معصم إن قطع : ككف بمنكب بتخليل أصابعه ، [ ص: 80 ] لا إجالة خاتمه ونقض غيره ، ومسح ما على الجمجمة بعظم صدغيه مع المسترخي ولا ينقض ضفره [ ص: 81 ] رجل أو امرأة ويدخلان يديهما تحته في رد المسح ، وغسله مجز ، وغسل رجليه بكعبيه الناتئين بمفصلي الساقين

التالي السابق


( فرائض ) جمع فريضة شذوذا إذ شرط قياس فعائل في فعيلة أن لا تكون بمعنى مفعولة كصحيفة وصحائف وعظيمة وعظائم أو فرض شذوذا أيضا إذ قياس جمع فعل أفعال إن كان معتل العين كثوب وأثواب ، وبيت وأبيات ، وباب وأبواب ، فإن كان صحيحها فهو شاذ أيضا : كقرء وأقراء فإن قيل هي سبعة وفعائل من صيغ الكثرة ومبدؤها أحد عشر قيل : هو على أن مبدأ الكثرة ثلاثة كالقلة وأيضا محل الفرق بين جمع القلة وجمع الكثرة إذا جمع المفرد بهما فإن جمع بأحدهما فقط فهو مشترك بينهما كأرجل وصفى ، وفريضة لم تجمع إلا على فرائض فهو مشترك بينهما .

( الوضوء ) بضم الواو أي التوضؤ ويطلق على الماء قليلا وأما بفتحها فهو الماء فهو التوضؤ قليلا ( غسل ) أي إيصال الماء مع الدلك ( ما ) أي الوجه الذي ( بين ) وتدي ( الأذنين ) وهذا بيان لحده عرضا فدخل فيه البياض الذي بين الوتد وعظم الصدغ [ ص: 78 ] البارز والذي بينه وبين العذار نازلا عن الوتد وخرج عنه صدع الصدغين والبياض الذي بينه وبين الأذن .

وأشار إلى حده طولا بقوله ( و ) غسل ما بين ( منابت ) جمع منبت أي موضع نبات ( شعر الرأس المعتاد ) نعت للمنابت لإخراج منبت الأصلع والأنزع والأغم فالأولان لا يلزمهما الغسل إلى منابتهما والأخير لا يكفيه الغسل إلى منبته ( و ) بين منتهى ( الذقن ) بفتح الذال المعجمة والقاف محل اجتماع اللحيين أسفل الفم لمن لا لحية له كمرأة وأمرد .

( و ) بين منتهى ( ظاهر اللحية ) لمن هي له بكسر اللام وفتحها أي الشعر النابت على جانبي الوجه المسميين لحيين مثنى لحي بفتح اللام ، وحكي كسرها فيهما فدخل فيه الذقن واللحية وظاهرها ما يرى عند المواجهة واحترز به عن باطنها وهو أسفلها الذي يلي الصدر فلم يطلب غسله فهي بدعة وغلو في الدين وزيادة على محل الفرض مكروهة والمراد بغسله تعميمه بالماء مع الدلك وهذا غير التخليل الذي هو إيصال الماء للبشرة التي بين الشعر ولا يتم غسل الوجه إلا بغسل جزء يسير من الرأس فهو واجب لتوقف تمام الواجب عليه .

( فيغسل ) أي المتوضئ وجوبا ( الوترة ) بفتح الواو والمثناة أي الحاجز بين طاقتي الأنف بحبس الماء السائل عليها حتى يعمها مع الدلك ( و ) يغسل ( أسارير ) أي تكاميش ( جبهته ) أي المتوضئ أو الوجه بتعميمها بالماء مع الدلك ( و ) يغسل ( ظاهر ) أي ما يظهر من ( شفتيه ) أي المتوضئ عند ضمهما ضما طبيعيا خاليا عن التكلف بحبس الماء السائل له حتى يعمه ودلكه ونبه المصنف على هذه المواضع لأن شأن الماء البعد عنها ( بتخليل ) أي مع إيصال الماء لباطن ( شعر ) للحية أو حاجب أو عنفقة ( تظهر البشرة ) [ ص: 79 ] بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة أي الجلدة ( تحته ) عند المقابلة ومفهوم تظهر إلخ أن الذي لا تظهر البشرة تحته لا يجب تخليله وهو كذلك على المشهور بل يكره على ظاهر المدونة وهو الراجح وقيل يندب وقيل : يجب والمرأة كالرجل في هذا ( لا ) يجب أن يغسل ( جرحا ) بضم الجيم ( بريء ) غائرا بحيث لا يمكن غسله .

( أو ) موضعا ( خلق ) بضم فكسر حال كونه ( غائرا ) كذلك ويجب إيصال الماء لباطنه إن أمكن غسله وجب وسواء كان في الوجه أو في غيره من سائر الأعضاء وعطف على ما بين ، فقال ( و ) غسل ( يديه ) أي المتوضئ ( بمرفقيه ) أي معهما مثنى مرفق بكسر الميم ، وفتح الفاء أي آخر عظم الذراع المتصل بالعضد .

( و ) غسل ( بقية معصم ) بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الصاد المهملة أصله موضع السوار والمراد به هنا اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق ( إن قطع ) بضم فكسر أي بعض المعصم ومثل المعصم بقية الأعضاء ، ومثل القطع سقوطه بغيره أو خلقه ناقصا فكل عضو سقط بعضه تعلق حكمه بباقيه غسلا أو مسحا ويلزم الأقطع أو الأشل أجرة من يطهره فإن لم يجد فعل ما يمكنه وشبه في الفرضية فقال ( ك ) غسل ( كف ) خلقت ( بمنكب ) بفتح الميم وكسر الكاف أي مفصل العضد من الكتف وليس له يد غيرها فإن كان له يد غيرها وكان لها مرفق أو نبتت في الفرض وجب غسلها أيضا أو في غيره وطالت حتى حاذته وجب غسل المحاذي منها فقط ويقال في الرجل الزائدة نحو ما قيل في اليد الزائدة بإبدال المرفق بالكعب ومنه فرع سليمان بن الكحالة تلميذ سحنون مرأة لها وجهان وأربعة أيد فيجب عليها غسل وجهيها وأيديها ، ويجوز وطؤها لاتحاد محله .

( بتخليل أصابع ) يدي ( هـ ) أي المتوضئ وجوبا لأنها كأعضاء لشدة افتراقها ويحافظ على عقدها ظاهرا أو باطنا لأن الماء ينبو عنها بأن يحنيها حال النسل حتى تظهر تكاميشها [ ص: 80 ] أو يجمع رءوس أصابعه ويحكها ببطن كفه الأخرى والأولى تخليلها من ظهر اليد لأنه أمكن ويخللها في الغسلة الثانية والثالثة ندبا ويعفى عن الوسخ المجتمع تحت الأظافر إن لم يتفاحش .

( لا ) تجب ( إجالة ) أي تحويل ( خاتمه ) أي المأذون فيه من موضعه ولو كان ضيقا مانعا من وصول الماء لما تحته فإن حوله بعد غسل يد غسل محله إن تحقق أو ظن أن الماء لم يصله والإضافة للجنس فيصدق بخواتم المرأة من ذهب أو فضة ومثل الخاتم الأساور والخلاخل والأطواق والغسل كالوضوء وغير المأذون فيه من محرم كخاتم ذهب أو فضة زاد على درهمين أو تعدد لرجل أو مكروه كنحاس أو حديد أو رصاص دخل في قوله : ( ونقض ) الشخص المتوضئ وجوبا أي أزال ( غيره ) أي الخاتم المأذون فيه صادق بغير الخاتم كشمع وزفت ومداد ووسخ على العضو مانع من وصل الماء لبشرته وبالخاتم المنهي عنه من محله وغله فإن لم يمنع وصول الماء لها فلا يجب نقضه ويكفي الدلك به كالدلك باليد بحائل عليها هذا الذي أفاده نقل الحط وهو المعول عليه وعطف على غسل فقال : ( ومسح ) بفتح فسكون مصدر مضاف ل ( ما ) أي الشيء الذي ( على الجمجمة ) بضم الجيمين وسكون الميم الأولى أي عظم الرأس المشتمل على الدماغ من جلد أو شعر وحده طولا من المنابت المعتادة للشعر إلى نقرة القفا وعرضا ما بين الأذنين فيدخل فيه البياض الذي فوقهما ( بعظم صدغيه ) الذي نبت عليه الشعر فقط وباقيه من الوجه فالأولى بشعر صدغيه ( مع ) مسح الشعر ( المسترخي ) أي المستطيل النازل عن حد الرأس وجوبا ولو طال جدا نظرا لأصله .

( ولا ينقض ) أي لا يجب ولا يندب أن ينقض ( ضفره ) أي مضفور شعره مفعول [ ص: 81 ] ينقض مقدم وفاعله ( رجل أو امرأة ) إن خلا عن الخيط ولو اشتد وينقض في الغسل اشتد وإن اشتمل على خيط أو خيطين فإن اشتد نقض فيهما وإلا فلا وإن ضفر بثلاثة خيوط أو أكثر نقض فيهما اشتد ولم يشتد .

( ويدخلان ) بضم المثناة تحت وسكون الدال المهملة وكسر الخاء المعجمة أي الرجل والمرأة اللذان طال شعرهما استنانا بقرينة قوله في رد المسح ومفعول يدخلان قوله ( يديهما ) أي الرجل والمرأة وصلة يدخلان ( تحته ) أي الشعر المسترخي وكذا ( في رد المسح ) السنة الذي نص على حكمه بقوله الآتي في السنن : ورد مسح رأسه فالفرض يتم بمسحة واحدة على ظاهر الشعر ولو طال جدا والسنة بواحدة من تحته هذا ظاهر المدونة والرسالة والمعونة والتلقين وجامع ابن يونس وتبصرة اللخمي والجواهر وقواعد عياض وابن الحاجب وابن بشير وابن عرفة وقول الفاكهاني كان الرد سنة والغسلة الثانية والثالثة مندوبين لأن الذي يمسحه في الرد غير الذي مسحه أولا في ذي الشعر الطويل وألحق به غيره وقرر به عبد الرحمن الأجهوري جد عج كلام المصنف فهو الصواب . ( وغسله ) أي ما على الجمجمة ( مجز ) بضم الميم وسكون الجيم آخره زاي عن مسحه على المشهور لاشتماله على المسح وزيادة وإن كره ابتداء كما أشار له بمجز وعطف على غسل فقال ( وغسل رجليه ) أي الشخص المتوضئ ( بكعبيه ) أي مع غسل العظمين ( الناتئين ) أي البارزين ( بمفصلي ) بفتح اللام مثنى مفصل بفتح الميم وكسر الصاد المهملة أحد مفاصل الأعضاء وبكسر الميم ، وفتح الصاد معناه اللسان وليس مرادا هنا أي في موضع انفصال القدمين من ( الساقين ) والعرقوب في محل انفصال الساق من العقب .

والحاصل أن للساق جانبين جانب متصل بالقدم المشتمل على الأصابع وعنده الكعبان وجانب متصل بالعقب وعنده العرقوب ويحافظ على العرقوب والعقب وجوبا لأن الماء [ ص: 82 ] ينبو عنهما وفي الحديث { ويل للأعقاب من النار } .




الخدمات العلمية