الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      إسماعيل بن عيسى العطار : حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثني أبو عبيد الله التيمي ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل قال : قيل لسلمان : أخبرنا عن إسلامك . قال : كنت مجوسيا ، فرأيت كأن القيامة قد قامت ، وحشر الناس على صورهم ، وحشر المجوس على صور الكلاب ، ففزعت . فرأيت من القابلة أيضا أن الناس حشروا على صورهم ، وأن المجوس حشروا على صور الخنازير ، فتركت ديني ، وهربت وأتيت الشام ، فوجدت يهودا ، فدخلت في دينهم ، وقرأت كتبهم ، ورضيت بدينهم وكنت عندهم حججا . فرأيت فيما يرى النائم أن الناس حشروا ، وأن اليهود أتي بهم ، فسلخوا ، ثم ألقوا في النار فشووا ، ثم أخرجوا ، فبدلت جلودهم ، ثم أعيدوا في النار .

                                                                                      فانتبهت وهربت من اليهودية ، فأتيت قوما نصارى ، فدخلت في دينهم ، وكنت معهم في شركهم ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت كأن ملكا أخذني فجاء بي على الصراط على النار ، فقال : اعبر هذا ، فقال صاحب الصراط : انظروا ، فإن كان دينه النصرانية ، فألقوه في النار .

                                                                                      فانتبهت وفزعت ، ثم استعبرت راهبا كان [ ص: 522 ] صديقا لي ، فقال : إن الذي أنت عليه دين الملك ، ولكن عليك باليعقوبية . فرفضت ذلك ، ولحقت بالجزيرة ، فلزمت راهبا بنصيبين يرى رأي اليعقوبية ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت فيما يرى النائم أن إبراهيم خليل الرحمن قائم عند العرش يميز من كان على ملته ، فيدخله الجنة ، ومن كان على غير ملته ، ذهبوا به إلى النار .

                                                                                      فهربت من ذلك الراهب ، وأتيت راهبا له خمسون ومائة سنة وأخبرته بقصتي ، فقال : إن الذي تطلبه ليس هو اليوم على ظهر الأرض ، ذاك دين الحنفية وهو دين أهل الجنة ، وقد اقترب ، وأظلك زمانه ، نبي يثرب يدعو إلى هذا الدين . قلت : ما اسم هذا الرجل ؟ قال : له خمسة أسماء : مكتوب في العرش محمد ، وفي الإنجيل أحمد ، ويوم القيامة محمود ، وعلى الصراط حماد ، وعلى باب الجنة حامد ، وهو من ولد إسماعيل ، وهو قرشي ، فسرد كثيرا من صفته - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قال : فسرت في البرية ، فسبتني العرب ، واستخدمتني سنين ، فهربت منهم ، إلى أن قال : فلما أسلمت قبل على رأسي ، وكساني أبو بكر ما كان عليه ، إلى أن قال : يا سلمان أنت مولى الله ورسوله .

                                                                                      وهو منكر ، في إسناده كذاب وهو إسحاق مع إرساله ووهن ابن لهيعة والتيمي .

                                                                                      سمويه حدثنا عمرو بن حماد القناد حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية في أصحاب سلمان نزلت ، وكان من أهل جند [ ص: 523 ] سابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له ومؤاخيا ، وكانا يركبان إلى الصيد ، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء ، فأتياه ، فإذا هما برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه ، ويبكي ، فسألاه : ما هذا ؟ قال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فانزلا . فنزلا إليه ، فقال : هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزن ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل ، فقص عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل . فتابعاه فأسلما ، وقال : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .

                                                                                      ولم يزل معهما يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجعل طعاما ، ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك ، فدعاه ليأكل فأبى ، وقال : إني عنك مشغول . فلما أكثر عليه ، أخبر أنه لا يأكل من طعامهم . فقال له الملك : من أخبرك بهذا ؟ فذكر له الراهب .

                                                                                      فطلب الراهب وسأله ، فقال : صدق ابنك . فقال : لولا أن الدم عظيم لقتلتك . اخرج من أرضنا ، فأجله أجلا ، فقمنا نبكي عليه ، فقال : إن كنتما صادقين ، فأنا في بيعة في الموصل مع ستين رجلا نعبد الله ، فائتونا .

                                                                                      فخرج ، وبقي سلمان وابن الملك . فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا ، وابن الملك يقول : نعم . فجعل يبيع متاعه يريد الجهاز ، وأبطأ ، فخرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة .

                                                                                      فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ، فقال له الشيخ : إنك غلام حدث وأنا خائف أن تفتر ، فارفق بنفسك ، قال : خل عني .

                                                                                      ثم إن صاحب البيعة دعاه ، فقال : تعلم أن هذه البيعة لي ، ولو شئت أن [ ص: 524 ] أخرج هؤلاء ، لفعلت ، ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول إلى بيعة أهلها أهون عبادة ، فإن شئت أن تقيم ها هنا ، فأقم .

                                                                                      فأقام بها يتعبد معهم ، ثم إن شيخه أراد أن يأتي بيت المقدس ، فدعا سلمان ، وأعلمه ، فانطلق معه ، فمروا بمقعد على الطريق ، فنادى : يا سيد الرهبان ارحمني . فلم يكلمه حتى أتى بيت المقدس ، فقال لسلمان : اخرج فاطلب العلم ; فإنه يحضر المسجد علماء أهل الأرض .

                                                                                      فخرج سلمان يسمع منهم ، فخرج يوما حزينا ، فقال له الشيخ : ما لك ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم .

                                                                                      قال : أجل ، لا تحزن ; فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا زمانه ، ولا أراني أدركه ، ولعلك تدركه ، وهو يخرج في أرض العرب ، فإن أدركته فآمن به . قال : فأخبرني عن علامته . قال : مختوم في ظهره بخاتم النبوة ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .

                                                                                      ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد . فناداهما : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ; فعطف إليه حماره فأخذ بيده ، ثم رفعه ، فضرب به الأرض ودعا له ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا يشتد وسار الراهب ، فتغيب عن سلمان وتطلبه سلمان . فلقيه رجلان من كلب فقال : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته وقال : نعم ، راعي الصرمة هذا فانطلق به إلى المدينة . [ ص: 525 ]

                                                                                      قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني قط .

                                                                                      فاشترته امرأة من جهينة ، فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم ، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      فبينما هو يرعى إذ أتاه صاحبه ، فقال : أشعرت أنه قدم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟

                                                                                      فقال : أقم في الغنم حتى آتي ، فهبط إلى المدينة ، فنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى خاتم النبوة ، ثم انطلق فاشترى بدينار بنصفه شاة فشواها ، وبنصفه خبزا وأتى به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا ؟ قال : صدقة ، قال لا حاجة لي بها . أخرجها يأكلها المسلمون .

                                                                                      ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى به فقال : هذا هدية ، فأكلا جميعا . وأخبره سلمان خبر أصحابه ، فقال : كانوا يصومون ويصلون ، ويشهدون أنك ستبعث . فقال : يا سلمان ، هم من أهل النار ، فاشتد ذلك على سلمان . وقد كان قال : لو أدركوك صدقوك واتبعوك .

                                                                                      فأنزل الله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية
                                                                                      .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية