الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى ( وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة العدد ، فكل زمن تيقنا فيه الحيض ألزمناها اجتناب ما تجتنبه الحائض ، وكل زمان تيقنا فيه طهرها أبحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر ، وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب على الطاهر احتياطا ، وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض أوجبنا عليها أن تغتسل فيه للصلاة ، ويعرف ذلك بتنزيل أحوالها ، ونذكر من ذلك مسائل تدل على جميع أحكامها إن شاء الله - تعالى - وبه الثقة . فإذا قالت : كان حيضي عشرة أيام من الشهر لا أعرف وقتها لم يكن لها حيض ولا طهر بيقين ; لأنه يمكن في كل وقت أن تكون حائضا ويمكن أن تكون [ ص: 498 ] طاهرا ، فيجعل زمانها في الصلاة والصوم زمان الطهر ، وتتوضأ في العشر الأول لكل فريضة ، ولا تغتسل ، ; لأنه لا يمكن انقطاع الدم فيه ، فإذا مضى العشر أمرناها بالغسل لإمكان انقطاع الدم ، ثم نلزمها بعد ذلك أن تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر ; لأن كل وقت من ذلك يمكن انقطاع الدم فيه ، فإن عرفت وقتا من اليوم كان ينقطع دمها فيه ألزمناها أن تغتسل كل يوم في ذلك الوقت ، ولا يلزمها أن تغتسل في غيره ; لأنا قد علمنا وقت انقطاع دمها من اليوم . وإن قالت : كنت أحيض إحدى العشرات الثلاث من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين ، فنجعل زمانها زمان الطهر فتصلي من أول الشهر وتتوضأ لكل فريضة وتغتسل في آخر كل عشر لإمكان انقطاع الدم فيه ، وإن قالت : حيضي ثلاثة أيام في العشر الأول من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين في هذه العشرة ، فتصلي من أول العشر ثلاثة أيام بالوضوء ثم تغتسل لكل صلاة ، [ إلى آخر العشر ] إلا أن تعرف انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل ذلك الوقت في كل يوم وتتوضأ في غيره .

                                      وإن قالت : كان حيضي أربعة أيام من العشر الأول صلت بالوضوء أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة ، [ إلى آخر العشر ] وعلى هذا التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع ، فإن علمت يقين طهرها في وقت بأن قالت : كان حيضي عشرة أيام في كل شهر ، وأعلم أني كنت في العشر الأخيرة طاهرا . فإنها في العشر الأول تتوضأ لكل صلاة ; لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه ، فإذا مضت العشر اغتسلت لكل صلاة ، إلا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه دون غيره ، وفي العشر الثالثة طاهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة . وإن قالت : كان حيضي خمسة أيام في العشر الأول وكنت في اليوم الأول من العشر الأول طاهرا ، ففي اليوم الأول طهر بيقين فتتوضأ فيه لكل صلاة فريضة وفي اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل فريضة ، والسادس حيض بيقين ، فإنه على أي تنزيل نزلنا لم يخرج اليوم السادس منه ، فتترك فيه ما تترك الحائض ثم تغتسل في آخره لإمكان انقطاع الدم فيه ، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر العاشر ، ثم تدخل في طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة ، وإن قالت : كان حيضي ستة أيام في العشر الأول ، كان لها يوما حيض بيقين ، وهما الخامس والسادس ، ; لأنه إن ابتدأ الحيض من أول العشر فآخره السادس ، وإن ابتدأ من الخامس فآخره العاشر ، والخامس والسادس داخلان فيه بكل حال . وإن قالت : كان حيضي سبعة أيام من العشر الأول حصل لها أربعة أيام حيض بيقين ، وهي من الرابع إلى السابع ، وإن قالت : ثمانية كان حيضها بيقين ستة من الثالث إلى آخر الثامن .

                                      فإن قالت : تسعة كان ثمانية من الثاني إلى آخر التاسع لما بينا وإن قالت : كان حيضي في كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت في اليوم السادس طاهرا فإنها من أول الشهر إلى آخر السادس في طهر بيقين . ومن السابع إلى آخر الشهر في طهر مشكوك فيه ، فتتوضأ لكل فريضة إلى أن [ ص: 499 ] يمضي عشرة أيام بعد السادس ، ثم تغتسل لامكان انقطاع الدم فيه ، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة ، إلا أن تعرف الوقت الذي كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم فيه دون غيره .

                                      وإن قالت : كان حيضي في كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها وأعلم إني كنت في الخمسة الأخيرة طاهرا وأعلم أن لي طهرا صحيحا غيرها في كل شهر ، فإنه يحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الأولى والباقي طهرا ، ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الثانية والباقي طهرا ، ولا يجوز أن يكون في الخمسة الثالثة ; لأن ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر ، ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الرابعة ويكون ما قبلها طهرا ، ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة ويكون ما قبلها طهرا فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة في الخمسة الأولى وتصلي ; لأنه طهر مشكوك فيه ، ثم تغتسل لكل فريضة من أول السادس إلى آخر العاشر ; لأنه طهر مشكوك فيه ، ويحتمل انقطاع الدم في كل وقت منه ومن أول الحادي عشر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة ; لأنه طهر بيقين ، ومن أول السادس عشر تتوضأ لكل صلاة إلى آخر العشرين ; لأنه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض فيه ، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الخامس والعشرين ; لأنه طهر مشكوك فيه ، وتغتسل لكل صلاة ; لأنه يحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها ، ومن أول السادس والعشرين إلى آخر الشهر تتوضأ لكل فريضة ; لأنه طهر بيقين . وإن علمت يقين الحيض في بعض الأيام بأن قالت : كان حيضي في كل شهر عشرة أيام وكنت أكون في اليوم العاشر حائضا ، فإنه يحتمل أن يكون العاشر آخر حيضها ويكون ابتداؤها من أول الشهر ويحتمل أن يكون العاشر أول حيضها فيكون آخره التاسع عشر ، ويحتمل أن يكون ابتداؤها ما بين اليوم الأول من الشهر واليوم العاشر ، فهي من أول الشهر إلى اليوم التاسع في طهر مشكوك فيه ، ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ لكل صلاة وتصلي ، واليوم العاشر يكون حيضا بيقين ، تترك فيه ما يجب على الحائض تركه وتغتسل في آخره ، ثم تغتسل لكل صلاة إلى تمام التاسع عشر ، إلا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه من الوقت إلى الوقت ، ثم بعد ذلك في طهر بيقين إلى آخر الشهر ، فتتوضأ لكل صلاة فريضة .

                                      فإن قالت : كان حيضي في كل شهر عشرة أيام ، ولي في كل شهر طهر صحيح ، وكنت في اليوم الثاني عشر حائضا ، فإنها في خمسة عشر يوما من آخر الشهر في طهر بيقين ، وفي اليوم الأول والثاني من أول الشهر في طهر بيقين ، وفي الثالث والرابع والخامس في طهر مشكوك فيه ، تتوضأ فيه لكل فريضة ، وفي السادس إلى تمام الثاني عشر في حيض بيقين ، ومن الثالث عشر إلى تمام الخامس عشر في طهر مشكوك فيه ، ويحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة . وإن قالت : كان حيضي خمسة أيام من العشر الأول ، وكنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرا وفي اليوم الخامس حائضا ، فإنه يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره إلى تمام السابع ، ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره إلى [ ص: 500 ] تمام الثامن ، ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره تمام التاسع ، فاليوم الأول والثاني طهر بيقين ، والثالث والرابع طهر مشكوك فيه ، والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ، ثم تغتسل في آخر السابع ، فيكون ما بعده إلى تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة .

                                      وإن قالت : كان لي في كل شهر حيضتان ولا أعلم موضعهما ولا عددهما ، فإن الشيخ أبا حامد الإسفراييني - رحمه الله - ذكر أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون ما بينهما طهرا . وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا ، ويحتمل ما بين الأقل والأكثر فيلزمها أن تتوضأ وتصلي في اليوم الأول من الشهر ; لأنه طهر مشكوك فيه ، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ، ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين ; لأنه إن كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني ، فاليوم السادس عشر آخره . وإن كان من الخامس عشر ، فالخامس عشر والسادس عشر داخل في الطهر ، ومن السابع عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه . وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري - رحمه الله - : هذا خطأ ; لأنا إذا نزلناها هذا التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها في الشهر الذي بعده ، بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته ، فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج . وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة لعدده فالقاعدة فيه أن كل زمان تيقنا فيه حيضها ثبت فيه جميع أحكام الحيض ، وكل زمان تيقنا فيه طهرها ثبت فيه جميع أحكام الطاهر المستحاضة ، وكل زمان احتمل الحيض والطهر أوجبنا فيه الاحتياط فيجب عليها ما يجب على الطاهر من العبادات ، وحكمها في الاستمتاع حكم الحائض . ثم إن كان هذا الزمان المحتمل للطهر وللحيض لا يحتمل انقطاع الحيض لزمها الوضوء لكل فريضة ، ولا يجب الغسل . وإن كان يحتمل انقطاع الحيض وجب الغسل لكل فريضة لاحتمال انقطاع الدم قبلها ، فإن علمت أنه كان ينقطع في وقت بعينه من ليل أو نهار اغتسلت كل يوم في ذلك الوقت ، ولا غسل عليها إلى مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني . هذا أصل الفصل وتمهيد قاعدته ، وعليه يخرج كل ما سنذكره إن شاء الله - تعالى - وهذا القدر كاف لمن يؤثر الاختصار ، ولكن عادة الأصحاب إيضاحه وبسطه بالأمثلة ، وأنا أتابعهم وأذكر إن شاء الله - تعالى - مسائل مستقصاة [ ص: 501 ] ملخصة واضحة في فروع متراسلة ليكون أنشط لمطالعيه ، وأبعد من ملالة ناظريه ، وأيسر في تحصيل المرغوب منه فيه ، وأسهل في إدراك الطالب ما يبغيه ، والله الكريم أستعينه وأستهديه .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا رحمهم الله : الحافظة لقدر حيضها إنما ينفعها حفظها وتخرج عن التحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدور وابتداءه ، فإن فقدت ذلك بأن قالت : كان حيضي خمسة عشر أضللتها في دوري ولا أعرف سوى ذلك فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل وقت ، وكذا لو قالت : حيضي خمسة عشر وابتداء دوري يوم كذا ولا أعرف قدره فلا فائدة فيما حفظت للاحتمال المذكور ، ولها في هذين المثالين حكم المتحيرة في كل شيء . وهكذا لو قالت : كان حيضي خمسة من كل ثلاثين ولا أعرف ابتداءها أو لا أدري أهي في كل شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين ؟ ولا أدري في أي وقت من شهر هي ؟ فهذه لها حكم المتحيرة التي لا تذكر شيئا أصلا ؟ وحكمها ما سبق إلا في الصيام فإنها إذا قالت : كان حيضي خمسة أيام من ثلاثين وصامت رمضان حصل لها خمسة وعشرون يوما إن كان تاما ، وعلمت أن حيضها كان يبتدئها في الليل ، فإن علمت أنه كان يبتدئها في النهار أو شكت حصل لها أربعة وعشرون يوما ، ثم إذا أرادت قضاء صوم هذه الخمسة صامت أحد عشر يوما ، فيحصل لها منها خمسة على كل تقدير ولا يكفيها صوم عشرة لاحتمال الابتداء في أثناء يوم ; فيفسد ستة إلا أن تعلم أنه كان يبتدئها في الليل فيكفيها العشرة ، ولو كان على هذه التي قالت كان حيضي خمسة من ثلاثين صوم يوم واحد صامت يومين بينهما أربعة أيام إن علمت أن حيضها كان يبتدئ في الليل فيحصل لها يوم ، فإن لم تعلم وقت ابتدائه صامت يومين بينهما خمسة أيام ، فيحصل أحدهما ، ولو كان عليها يومان صامتهما مرتين بينهما ثلاثة أيام إن علمت الابتداء ليلا ، وإلا فأربعة وضابطه إذا لم تعلم وقت الابتداء أنها تضيف إلى أيام الحيض يوما لاحتمال الطرءان في أثناء النهار وتصوم ما عليها ثم تفطر بقدر الباقي من أيام الحيض مع اليوم المضاف ثم تصوم اليوم الذي عليها مرة أخرى .

                                      فإن كان عليها يومان وحيضها خمسة من ثلاثين كما ذكرنا أضافت يوما فتصير ستة [ ص: 502 ] فتصوم يومين وتفطر أربعة ثم تصوم يومين ، ولو كان عليها ثلاثة صامتها ثم أفطرت ثلاثة ثم صامت ثلاثة وهكذا ما أشبه ذلك والله أعلم .

                                      ( فرع ) إذا قالت : حيضي خمسة أيام في كل ثلاثين يوما أو عشرة من عشرين من الشهر ، أو من خمسة عشر وشبه ذلك ، فهذه قد يكون لها حيض بيقين وطهر بيقين ، ومشكوك فيه يحتمل انقطاع الحيض فيه ومشكوك فيه لا يحتمله ، وقد لا يكون حيض ولا طهر بيقين وقد يكون طهر بيقين دون حيض بيقين ولا يتصور عكسه وطريقة معرفة هذه الأقسام أن تنظر إلى المنسي ، فإن كان نصف المنسي فيه أو أقل لم يكن لها حيض بيقين ، وإن كان أكثر من نصفه كان لها حيض بيقين ، وهو يقدر على ما زاد على النصف مرتين ، ويكون من وسط المنسي فيه ويكون ما قبله مشكوكا فيه لا يحتمل الانقطاع فتتوضأ لكل فريضة كسائر المستحاضات وما بعده تغتسل لكل فريضة ، وإن شئت أسقطت المنسي من المنسي فيه ، ثم أسقطت بقية المنسي فيه من المنسي ، فما بقي فهو حيض بيقين ، وتلك البقية هي القدر المشكوك فيه من الطرفين . مثال ذلك وهو مثال يجمع الأقسام الأربعة قالت : كان حيضي ستة أيام من العشرة الأولى من الشهر فيجعل شهرها أربعة أقسام ، الأربعة الأولى زمن مشكوك فيه يحتمل الانقطاع فتتوضأ فيها لكل فريضة وتصلي الخامس والسادس حيض بيقين ، لأنه إن بدأ الحيض في أول العشرة انتهى إلى آخر السادس ، وإن انقطع على العاشر بدأ من الخامس ، فالخامس والسادس حيض لدخولهما في التقديرين ، والسابع والثامن والتاسع والعاشر مشكوك فيه يحتمل الانقطاع ، فتغتسل فيها لكل فريضة إلا أن تعلم أن الدم كان ينقطع في وقت من اليوم فيكفيها كل يوم غسل واحد في ذلك ، وتتوضأ لباقي فرائض ذلك اليوم ، وما بعد العشرة إلى آخر الشهر طهر بيقين .

                                      ولو قالت : حيضي سبعة أيام من العشرة الأولى فلها أربعة أيام حيض بيقين وهي الرابع والخامس والسادس والسابع وتتوضأ للثلاثة الأولى وتغتسل للثلاثة الأخيرة لكل فريضة إلا أن تعلم الانقطاع في وقت بعينه ، ولو قالت : ثمانية [ ص: 503 ] من العشرة فحيضها ستة ، أولها الثالث ، ولو قالت : تسعة من العشرة فحيضها ثمانية ، أولها الثاني وتتوضأ في اليوم الأول وتغتسل لكل فريضة في العاشر . ولو قالت : ستة من أحد عشر فالسادس حيض بيقين وتتوضأ لكل فريضة في الخمسة الأولى وتغتسل في الخمسة الأخيرة ، ولو قالت : خمسة من التسعة الأولى فالخامس حيض بيقين وتتوضأ لما قبله وتغتسل لما بعده إلى آخر التاسع وما بعده إلى آخر الشهر طهر بيقين . ولو قالت : حيضي عشرة من الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة إلى قبيل آخر العاشر ثم تغتسل من آخر العاشر إلى آخر الشهر لكل فريضة إلا أن تعلم الانقطاع في وقت بعينه فيكفيها الغسل فيه كل يوم مرة ، ولو قالت : عشرة من العشرين الأول توضأت إلى قبيل آخر العاشر ثم اغتسلت إلى آخر العشرين ثم هي طاهرة بيقين في العشر الأخيرة . ولو قالت : عشرة من الخمسة عشر الأولى فالخمسة الأولى تتوضأ والخمسة الثانية حيض بيقين ، والثالثة تغتسل وباقي الشهر طهر بيقين . ولو قالت : خمسة عشر في العشرين الأولى فالخمسة الأولى تتوضأ والثانية والثالثة حيض بيقين ، والرابعة تغتسل والعشرة الأخيرة طهر بيقين ، ولو قالت عشرة في العشرين الأخيرة فالعشرة الأولى طهر بيقين ; والثانية تتوضأ ; والثالثة تغتسل ، ولو قالت خمسة عشر من العشرين الأخيرة فالعشرة الأولى طهر بيقين والخمسة الثالثة تتوضأ والرابعة والخامسة حيض بيقين والسادسة تغتسل . ولو قالت : حيضي إحدى العشرات فلا حيض ولا طهر بيقين فتتوضأ في جميع الشهر إلى آخر العشرات ، فتغتسل في آخر كل عشرة . ولو قالت : حيضي يومان من العشرة الأولى ، أو قالت ثلاثة ، أو قالت أربعة ، أو قالت خمسة فلا حيض ولا طهر فتتوضأ مدة أيامها ، ثم تغتسل لكل فريضة إلى آخر العشرة ثم هي طاهر بيقين .

                                      وأما قول المصنف رحمه الله ( وعلى هذا التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع ) فهو مما عدوه من مشكلات المهذب حتى إن بعضهم قال : مراد المصنف أنها إذا قالت : لي تسعة أيام في العشرة الأولى فلا حيض لها بيقين ، ثم اعترض هذا الحامل وغلط المصنف ولقد أخطأ هذا الحامل [ ص: 504 ] وظلم بوضعه الكلام في غير موضعه ، فإن المصنف رحمه الله أجل قدرا وأعلى محلا من أن يخفى عليه هذا الذي لا يشك فيه أقل مبتدئ شرح باب الحيض ، فكيف يظن بهذا الإمام أنه يقول إذا قالت : حيضي تسعة أيام من العشرة الأولى فلا حيض لها ، وأي خفاء في هذا ليغلط فيه . وإنما مراد المصنف عطف هذا الكلام على ما تقدم في أول الفصل وهو قوله : فكل زمان تيقنا فيه الحيض ألزمناها اجتناب ما تجتنبه الحائض ، إلى قوله : ويعرف ذلك بتنزيل أحوالها ، ثم قال : ونذكر من ذلك مسائل تدل على أحكامها فذكر ما ذكره ، ثم قال : وعلى هذا التنزيل في الخمس والست ، يعني يعمل ما ذكرناه وبه يعرف يقين الحيض والطهر والمشكوك فيه ، فيعمل في الست والسبع والثمان والتسع على ما ذكرنا من التنزيل وهو أن ما احتمل الحيض والطهر فهو مشكوك فيه ، وما يتعين لأحدهما فهو له ; وحينئذ إذا قالت : خمسة من العشرة فلا حيض بيقين وتتوضأ في خمسة . ولو قالت ستة من العشرة فالخامس والسادس حيض ، وإن قالت : سبعة فأربعة حيض أولها الرابع كما سبق إيضاحه ، فهذا تأويل صحيح لكلام المصنف ، وذكر صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب لكلامه تأويلين ( أحدهما ) وهو الذي اقتصر عليه في البيان : أن معناه إذا قالت : كان حيضي في الخمس أو الست أو السبع أو الثمان أو التسع أياما لا يزيد على نصف المنسي فيه بأن قالت : كان حيضي في الخمس يومين أو في الست والسبع والثمان والتسع ثلاثة فاقتصر المصنف على ذكر الأيام المنسي فيها ولم يذكر قدر المنسي وعطف ذلك على ما ذكره في قوله : فإن قالت : كان حيضي في العشرة ثلاثة أو أربعة ، لأن الثلاثة والأربعة أقل من نصف العشرة ( قلت ) فعلى هذا تكون الخمس والست والسبع والثمان والتسع معطوفات على العشرة .

                                      ( والتأويل الثاني ) أنه أراد إذا قالت : حيضي خمس أو ست أو سبع أو ثمان أو تسع من أيام لا تزيد هذه المذكورة على نصفها ، فذكر المنسي دون المنسي فيه اكتفاء بما ذكره واعتمادا على فهم السامع بعد تقرير القاعدة فهذه ثلاثة أجوبة عن عبارة المصنف على تقدير ثبوتها عنه ، وقد قال بعض كبار [ ص: 505 ] متأخري أصحابنا المذكورين ، طبقة أصحاب المصنف أنه رأى جزءا فيه وصية الشيخ أبي إسحاق المصنف رحمه الله إلى الفقهاء ; وفيه أنه أمرهم بالضرب على قوله ، وعلى هذا التنزيل في الخمس والست والسبع والثمان والتسع ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) فيما إذا عرفت يقين طهرها في وقت من الشهر ، بأن قالت : كان حيضي عشرة من الشهر لا أعلم عينها ، وأعلم أني كنت في العشرة الأخيرة طاهرا فالعشرة الأولى تتوضأ والثانية تغتسل لكل فريضة ، إلا أن تعلم الانقطاع في وقت ; فتقتصر على الغسل فيه كل يوم والعشرة الأخيرة طهر بيقين ، وتوجيه هذا ظاهر وكذا ما أشبهه مما أحذف دليله ، فإن ذكرت ما قد يخفى دليله بينته إن شاء الله - تعالى - فإن قالت : حيضي عشرة من الشهر وكنت في العشرة الأولى طاهرا فالعشرة الأولى طهر بيقين ; والثانية تتوضأ ، والثالثة تغتسل لكل فريضة وإن قالت : حيضي خمسة من العشرة الأولى ، وكنت أكون في اليوم الأول طاهرا فالأول طهر بيقين ، والثاني والثالث والرابع والخامس تتوضأ لكل فريضة والسادس حيض بيقين ، والسابع إلى آخر العاشر تغتسل لكل فريضة ، وما بعد العاشر إلى آخر الشهر طهر بيقين ، وإن قالت : حيضي خمسة من العشرة الأولى وكنت طاهرا في الثاني فاليومان الأولان طهر بيقين ، والثالث والرابع والخامس تتوضأ والسادس والسابع حيض بيقين والثامن والتاسع والعاشر تغتسل لكل فريضة ، وإن قالت حيضي خمسة من العشرة الأولى وكنت طاهرا في الثالث فالثلاثة الأولى طهر ، والرابع والخامس تتوضأ ، والسادس والسابع والثامن حيض بيقين ، والتاسع والعاشر تغتسل لكل فريضة .

                                      وإن قالت : حيضي عشرة من الشهر وكنت طاهرا في السادس ، فالستة الأولى طهر بيقين ، ومن السابع إلى آخر السادس عشر تتوضأ ثم بعده تغتسل إلى آخر الشهر لكل فريضة . وكذا لو قالت : حيضي عشرة من الشهر ، وكنت طاهرا في السابع أو التاسع أو العاشر ، فاليوم الذي كانت فيه طاهرا وما قبله طهر ثم بعده تتوضأ عشرة أيام ثم تغتسل إلى آخر الشهر . وإن قالت حيضي عشرة من الشهر وكنت في الحادي عشر طاهرا فالعشرة [ ص: 506 ] الأولى تتوضأ وتغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع والحادي عشر طهر بيقين ، وبعده تتوضأ إلى آخر الحادي والعشرين ، ثم تغتسل بعده إلى آخر الشهر لكل فريضة . وإن قالت : حيضي خمسة من الشهر وكنت في الخمسة الأخيرة طاهرا ، أو لي طهر صحيح غيرها فيحتمل أن حيضها الخمسة الأولى والباقي طهر . ويحتمل أن تكون الخمسة الثانية ، والباقي طهر ويحتمل أن تكون الرابعة . ويحتمل أن تكون الخامسة ، ولا يجوز أن تكون الثالثة لأنه لا يبقى قبلها ولا بعدها أقل الطهر سوى الخمسة الأخيرة فالخمسة الأولى تتوضأ والثانية تغتسل لاحتمال الانقطاع والثالثة طهر بيقين ، والرابعة تتوضأ والخامسة تغتسل ، لاحتمال الانقطاع والسادسة طهر بيقين . وإن قالت : حيضي خمسة عشر من الشهر ، وكنت في الثاني عشر طاهرا ، فالثاني عشر وما قبله طهر بيقين ، والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر تتوضأ والسادس عشر فما بعده إلى آخر السابع والعشرين حيض بيقين والثلاثة الأخيرة تغتسل لكل فريضة . ولو قالت : حيضي خمسة من العشرة الأولى ، وكنت في السادس طاهرا فحيضها الخمسة الأولى وإن قالت : كنت في الخامس طاهرا فحيضها الخمسة الثانية ، وليست في هاتين ناسية وإن كان سؤالها كسؤال ناسية ، وإن قالت : وكنت في السادس حائضا فالسادس حيض بيقين فتغتسل بعده إلى آخر العشرة وتتوضأ في الأربعة قبله ، واليوم الأول طهر بيقين .

                                      ولو قالت : وكنت في الخامس حائضا فالخامس حيض ، وتتوضأ في الأربعة قبله وتغتسل بعده إلى آخر التاسع ثم ما بعده طهر بيقين ، وإن قالت : حيضي خمسة من العشرة الأولى وكنت في الثاني طاهرا وفي الخامس حائضا فالأول والثاني طهر بيقين وكذا العاشر وما بعده والخامس والسادس والسابع حيض بيقين وتتوضأ في الثالث والرابع وتغتسل في الثامن والتاسع . ولو قالت : لا أعلم قدر حيضي وأعلم أني كنت طاهرا في طرفي الشهر فلحظة من أول الشهر ولحظة من آخره طهر بيقين ثم بعد اللحظة الأولى تتوضأ يوما وليلة ثم تغتسل لكل فريضة إلى أن يبقى لحظة من آخر الشهر ثم اللحظة مع اللحظة الأولى من الشهر الآتي طهر .

                                      [ ص: 507 ] فرع ) فيما إذا عرفت يقين حيضها في وقت من الشهر فإن قالت كان حيضي عشرة أيام في كل شهر لا أعلمها وأعلم أني كنت أكون حائضا في العاشر فتتوضأ إلى آخر التاسع ويكون العاشر حيضا وتغتسل بعده إلى آخر التاسع عشر ثم باقي الشهر طهر بيقين فإن قالت : حيضي عشرة لا أعلمها وكنت حائضا في السادس فالخمسة الأولى تتوضأ والثانية حيض بيقين لدخولها في التقديرين . والثالثة تغتسل لكل فريضة وباقي الشهر طهر بيقين . وإن قالت : حيضي عشرة من الشهر وكنت حائضا في الثاني عشر فاليومان الأولان طهر بيقين وما بعدهما إلى آخر الحادي عشر تتوضأ والثاني عشر حيض بيقين وتغتسل بعده إلى آخر الحادي والعشرين وما بعده طهر بيقين ولو قالت : حيضي خمسة عشر وكنت حائضا في الثاني عشر فالثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر حيض بيقين والأحد عشر قبلها تتوضأ ومن السادس عشر إلى آخر السادس والعشرين تغتسل لكل فريضة والأربعة الباقية من الشهر طهر بيقين . ولو قالت : حيضي في كل شهر عشرة ولي في كل شهر طهر صحيح وكنت في الثاني عشر حائضا ; فاليومان الأولان طهر بيقين ، والثالث والرابع والخامس تتوضأ ومن أول السادس إلى آخر الثاني عشر حيض بيقين والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر تغتسل لكل فريضة والخمسة عشر الباقية طهر بيقين . ولو قالت : حيضي خمسة من العشرة الأولى وكنت في اليوم الأول حائضا ; فحيضها الخمسة الأولى ، وإن قالت : كنت في العاشر حائضا فحيضها الخمسة الثانية وليست في الصورتين ناسية وإن كان سؤالها كسؤال الناسية .

                                      ( فرع ) إذا قالت : كان لي في كل شهر حيضتان لا أعلم موضعهما ولا قدرهما :




                                      الخدمات العلمية