الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو ادعيا ) أي : كل من اثنين ( شيئا في يد ثالث ) فإن أقر به لأحدهما سلم إليه ، وللآخر تحليفه إذ لو أقر به له أيضا غرم له بدله ، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة حلف لكل منهما يمينا وترك في يده ( و ) إن ادعيا شيئا على ثالث و ( أقام كل منهما بينة ) إحداهما بأنه غصبه منه ، والأخرى بأنه أقر أنه غصبه منه قدمت الأولى ؛ لأنها أثبتت الغصب بطريق المشاهدة فكانت أقوى ولا يغرم شيئا للمقر له ؛ لأن الملك للأول إنما ثبت بالبينة فهي الحائلة بين المقر له وبين حقه بزعمه أو ( أنه اشتراه ) [ ص: 339 ] منه ، وهو يملكه أو وسلمه إليه أو تسلمه منه والمبيع بغير يده ، وإلا كما هو الفرض المعلوم من قول المتن بيد ثالث لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي ( ووزن له ثمنه فإن اختلف تاريخ حكم للأسبق ) منهما تاريخا ؛ لأن معها زيادة علم لأن الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه ، ولا نظر لاحتمال عوده إليه ؛ لأنه خلاف الأصل ، بل والظاهر واستثنى البلقيني ما لو ادعى صدور البيع الثاني في زمن الخيار وشهدت بينة به فتقدم ، وللأول الثمن

                                                                                                                              وما لو تعرضت المتأخرة لكونه ملك البائع وقت البيع ، وشهدت الأولى بمجرد البيع فتقدم المتأخرة أيضا أي : كما نقلاه وأقراه ، وحاصله أن من شهدت من البينتين بملك المدعي للبائع وقت البيع أو للمشتري الآن أو بنقد الثمن دون الأخرى قدمت ولو متأخرة ؛ لأن معها زيادة علم و لأن التعرض للنقد يوجب التسليم ، والأخرى لا توجبه لبقاء حق الحبس للبائع فلا تكفي المطالبة بالتسليم ويأتي أول التنبيه الآتي ما له تعلق بذلك أيضا ، وخرج بقوله : ووزن له ثمنه ما لو لم تذكره فإذا ذكرته إحداهما قدمت ولو متأخرة ؛ لأنها تعرضت لموجب التسليم كذا قالاه ، لكن أطال البلقيني في رده ( وإلا ) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد ( تعارضتا ) فيتساقطان ثم إن أقر لهما أو لأحدهما فواضح ، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن ؛ لثبوته بالبينة ، وسقوطهما إنما هو فيما تعارضتا فيه ، وهو العقد فقط ، ومحله إن لم يتعرضا لقبض المبيع ، وإلا قدمت بينة ذي اليد [ ص: 340 ] ولا رجوع لواحد منهما بالثمن ؛ لأن العقد قد استقر بالقبض وبما قررته في هذه والتي قبلها علم أن حكمهما واحد في التعارض وتقديم الأسبق ، وكان المتن إنما خالف أسلوبهما الموهم لتخالف أحكامهما لأجل الخلاف ، ويجري ذلك في قول واحد اشتريتها من زيد وآخر اشتريتها من عمرو على الوجه المذكور ، وأقاما بينتين كذلك فيتعارضان ويصدق من العين بيده فيحلف لكل منهما أو يقر . ( تنبيه )

                                                                                                                              لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا أو مع قيام بينة أخرى بأحدهما يوم البيع ، ويصيران كبينة واحدة ، وكذا كل ما ذكره شرط ، لو تركته بينة وقامت به أخرى كأقرت امرأة لفلان وقت كذا بمحل كذا فشهد آخران بأنها فلانة

                                                                                                                              وإنما تسمع البينة بالملك المطلق إن كان المدعى بيد المدعي أو بيد من لم يعلم ملكه ولا ملك من انتقل منه إليه أو لم يكن بيد أحد ، وفيما عدا ذلك قد تسمع ، لكن لا يعمل بها كما لو انتزع خارج عينا من داخل ببينة فأقام الداخل بينة بملكها مطلقا فإنها تسمع ، وفائدتها معارضة بينة الخارج فقط لترد العين إلى يده ، ولو أقام بينة بأن هذا رهنني وأقبضني داره في ربيع الأول سنة كذا وآخر بينة بأنه أقر لي بها تلك السنة ولم يذكروا شهرا قال ابن الصلاح : تعارضتا ؛ لأن الرهن يمنع صحة الإقرار فلا يثبت رهن ولا إقرار كما مر آنفا بما فيه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : حكم للأسبق ) ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يتفقا على أنه لم يجر إلا بيع واحد أو لا فإن كان كذلك فهذا مما يختلف فيه المسألتان فقد يرد على قوله الآتي علم أن حكمهما واحد في التعارض وتقديم الأسبق . ( قوله : أيضا حكم للأسبق ) أي : ويلزم المدعى عليه للآخر دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه كما هو ظاهر ، وكلام الروض صريح فيه . ( قوله : وسقوطهما إنما هو فيما تعارضتا فيه ، وهو العقد فقط ، ومحله إن لم يتعرضا لقبض المبيع إلخ ) عبارة الروض فإن تعارضتا حلف لكل ولهما استرداد الثمن لا إن تعرضت البينة لقبض المبيع قال في شرحه : فليس لهما استرداد الثمن منه لتقرر العقد بالقبض ، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده ا هـ . وهذا ظاهر إن تعرضت كل منهما بخلاف ما إذا تعرضت إحداهما فليراجع . ( قوله : وإلا قدمت بينة ذي اليد ) شامل لتعرضهما وتعرض إحداهما وانظر إذا لم يكن [ ص: 340 ] لأحدهما يد . ( قوله : : ولا رجوع لواحد منهما ) هذا ظاهر إذا تعرضت كل منهما مع أن وإلا شامل لتعرض إحداهما فقط . ( قوله : وبما قررته في هذه والتي قبلها إلى قوله لأجل الخلاف ) ينبغي حيث اتحد حكمهما واختلفا في الخلاف بيان سر جريان الخلاف في إحداهما دون الأخرى مع اتحاد حكمهما . ( قوله : إنما خالف ) قد يوجه المتن أيضا بأنه مع اختلاف التاريخ أيضا قد يتعارضان في الأولى ، وذلك إذا اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : فإن أقر به ) أي أو أقام أحدهما بينة بما ادعاه أسنى ( قوله : لأحدهما . إلخ ) أي وإن أقر لهما نصف بينهما أنوار ( قوله : حلف لكل منهما يمينا ) فإن رد إلى أحدهما حلف للثاني أنوار ( قوله : وإن ادعيا شيئا على ثالث ) إنما عدل عن قول المصنف في يد ثالث إلى ما قاله ليشمل ما إذا لم يكن في يد البائع كما ستأتي الإشارة إليه رشيدي ( قوله : بزعمه ) متعلق بحقه وضميرهما للمقر له ( قوله : أو أنه اشتراه . إلخ ) عطف على قوله : .

                                                                                                                              [ ص: 339 ] إحداهما بأنه غصبه . إلخ لا على قوله : أنه غصبه . إلخ وإن أوهمه مزجه ( قوله : منه ) أي الثالث مغني ( قوله : أو وسلمه . إلخ ) عطف على وهو . إلخ وكان الأولى حذف الواو ليصير كقوله أو تسلمه إلخ عطفا على وهو . إلخ ( قوله : بغير يده ) أي من يدعى عليه البيع وقوله : وإلا أي وإن كان المدعى به في يده لم يحتج أي في تصحيح الدعوى لذكر ذلك أي قوله : وهو يملكه رشيدي ( قوله : كما يأتي ) أي في التنبيه ( قول المتن ووزن له . إلخ ) بفتح الزاي يتعدى باللام كما استعمله المصنف وبنفسه وهو الأفصح مغني ( قول المتن فإن اختلف تاريخ ) كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب والأخرى أنه اشتراه في شعبان مغني ( قول المتن حكم للأسبق ) أي ويطالبه الآخر بالثمن مغني عبارة سم أي ويلزم المدعى عليه للآخر دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه كما هو ظاهر وكلام الروض صريح فيه ثم ظاهره أنه لا فرق في ذلك أي الحكم للأسبق بين أن يتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد أو لا فإن كان كذلك فهذا مما تختلف فيه المسألتان فقد يرد على قوله : الآتي أن حكمهما واحد في التعارض وتقديم الأسبق . ا هـ . وأجاب عنه الرشيدي بما نصه ولا يأتي هنا ما قدمه في المسألة السابقة من أن محلها إن لم يتفقا على أنه لم يجر سوى عقد واحد إذ الصورة أن العاقد مختلف فلا يتأتى اتحاد العقد فما وقع للشهاب ابن قاسم هنا سهو . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : واستثنى البلقيني . إلخ ) عبارة النهاية ويستثنى كما قال البلقيني . إلخ ( قوله : في زمن الخيار ) أي للبائع أو لهما ع ش ( قوله : وحاصله ) إلى قوله وبما قررته في المغني إلا قوله : ولأن التعرض إلى المتن وقوله قدمت بينة ذي اليد ( قوله : وحاصله . إلخ ) أي حاصل ما في المقام ( قوله : بملك المدعي ) أي به ( قوله : أو نقد الثمن ) عطف على ملك المدعي . إلخ ( قوله : دون الأخرى ) راجع لكل من الصور الثلاث ( قوله : فلا تكفي المطالبة . إلخ ) أي في ترجيح البينة ( قوله : وخرج بقوله . إلخ ) اعلم أن قوله : وخرج إلى المتن كان في أصل الشارح ثم ضرب عليه وأبدله بقوله وحاصله . إلخ وصاحب النهاية تابعه على المرجوع عنه وهو قوله وخرج . إلخ . ا هـ . سيد عمر ( قوله : ما لو لم تذكره ) سكت عن حكمه وظاهر مما بعده أن الحكم عدم صحة هذه الشهادة إذ لا إلزام فيها رشيدي ( قوله : فواضح ) أي يسلم المدعى به للمقر له أنوار ومغني ( قوله : وإلا ) أي وإن لم يقر لواحد منهما وأما إذا أقر لأحدهما فقط فيحلف للآخر كما مر ( قوله : حلف لكل . إلخ ) أي أنه ما باعه مغني ( قوله : كما مر ) أي في شرح : ولو ادعيا شيئا . إلخ ( قوله : ومحله ) إلى قوله : وبما قررته في الأسنى والأنوار والمغني إلا قوله : قدمت بينة ذي اليد ( قوله : ومحله ) أي التعارض ع ش أي والرجوع ( قوله : إن لم يتعرضا ) الأولى التأنيث ( قوله وإلا قدمت بينة ذي اليد ) انظر إذا لم يكن لأحدهما يد وقوله : ولا رجوع . إلخ هذا ظاهر إذا تعرضت كل منهما بخلاف ما إذا تعرضت إحداهما فقط مع أن وإلا شامل له أيضا فليراجع سم عبارة الرشيدي قوله : وإلا قدمت بينة ذي اليد . إلخ كان الأصوب وإلا فلا رجوع لواحد منهما ، ثم إن كان في يد أحدهما قدمت بينته واعلم أن الماوردي جعل في حالة التعارض أربع حالات ؛ لأن العين إما أن تكون في يد البائع أو في يد أحد المشتريين أو في يديهما أو في يد أجنبي إلى أن قال : الحالة الثانية أن تكون العين في يد أحدهما ، ثم ذكر فيها وجهين مبنيين على الوجهين في الترجيح بيد البائع إذا صدق أحدهما وقال فإن رجحناه بيده وبينته أي وهو .

                                                                                                                              [ ص: 340 ] الأصح كما أشار إليه الشارح بقوله ، ثم إن أقر . إلخ رجع الآخر بالثمن الذي شهدت به بينته إلى آخر ما ذكره فما ذكره الشارح هو حالة من تلك الأحوال الأربعة ويكون محل قول الماوردي فيها رجع الآخر بالثمن أما إذا لم تتعرض بينته لقبض المبيع وظاهر أن مثلها في ذلك غيرها من بقية الحالات لكن قول الشارح : " وإلا " من قوله : وإلا قدمت بينة ذي اليد شامل لما إذا تعرض كل من البينتين لقبض المبيع وما إذا تعرضت إحداهما فقط مع أن قوله : ولا رجوع لواحد منهما بالثمن خاص بما إذا تعرض كل منهما لذلك وإلا اختص عدم الرجوع بمن تعرضت بينته لذلك كما هو ظاهر مما مر ومر في كلام الماوردي أن من العين في يده لا رجوع له مطلقا . ا هـ . وقوله : كان الأصوب . إلخ تقدم عن قريب عن الأسنى والأنوار والمغني ما يؤيده ( قوله لأن العقد قد استقر بالقبض ) أي وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده أسنى ومغني ( قوله : وبما قررته في هذه ) هي قول المصنف ولو ادعيا . إلخ وقوله : والتي قبلها هي قول المصنف قال آجرتك البيت . إلخ ع ش ( قوله : وكأن المتن إنما خالف أسلوبهما الموهم لتخالف أحكامهما . إلخ ) قد يوجه المتن أيضا بأنه مع اختلاف التاريخ قد يتعارضان في الأولى وذلك إذا اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد سم ( قوله : الموهم ) أي المتن من حيث سلوكه لأسلوبين .

                                                                                                                              ( قوله : لأجل الخلاف ) ينبغي حيث اتحد حكمهما واختلفا في الخلاف بيان سر جريان الخلاف في إحداهما دون الأخرى مع اتحاد حكمهما سم وقد يقال : السر تعدد العاقد هنا واتحاده هناك ( قوله : ويجري ذلك ) أي قول المصنف ولو ادعيا . إلخ ( قوله : في قول واحد . إلخ ) أي لمن بيده دار أسنى ( قوله : على الوجه المذكور ) أي بأن يقول كل منهما وهو يملكه أو ما يقوم مقامه أسنى وأنوار ( قوله : من العين بيده ) أي من المتنازعين وزيد وعمرو أو شخص خامس ( قوله : فيحلف ) أي من العين بيده لكل منهما أي المدعيين للشراء ( قوله : لا يكفي ) إلى قوله : ونزعت في الأنوار والروض مع شرحه ( قوله : في الدعوى كالشهادة ) الأنسب لما بعده العكس ( قوله : إلا مع ذكر ملك البائع ) أي أو ما يقوم مقامه عبارة الروض مع شرحه ويشترط في دعوى الشراء من غير ذي اليد أن يقول المدعي : اشتريتها منه وهي ملكه أو تسلمتها منه أو سلمها إلي ، كالشهادة يشترط فيها أن يقول الشاهد اشتراها من فلان وهي ملكه أو تسلمها منه أو سلمها إليه لا في دعوى الشراء من ذي اليد فلا يشترط فيها ذلك بل يكتفى بأن اليد تدل على الملك . ا هـ . ( قوله : ومع ذكر يده ) الأولى حذف لفظة مع ( قوله : ونزعت منه تعديا ) لعله ليس بقيد أخذا من سكوت الروض والأنوار عنه فليراجع ( قوله : أو مع قيام بينة . إلخ ) عطف على قوله : مع ذكر ملك البائع . إلخ ( قوله : بأحدهما ) أي بملك البائع أو يده ( قوله : إن كان المدعى ) أي به ( قوله : أو بيد من لم يعلم ملكه . إلخ ) انظر هل صورة عدم العلم إنما هي نحو أن يقول ذو اليد حالا أو في الأصل لا أعلم مالكه أو له صورة أخرى ( قوله ولم يذكروا ) أي الشهود ( قوله : كما مر آنفا . إلخ ) أي في الفرع الذي قبيل الفصل .




                                                                                                                              الخدمات العلمية