الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الخرص

                                                                                                          643 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الطيالسي أخبرنا شعبة أخبرني خبيب بن عبد الرحمن قال سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار يقول جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع قال وفي الباب عن عائشة وعتاب بن أسيد وابن عباس قال أبو عيسى والعمل على حديث سهل بن أبي حثمة عند أكثر أهل العلم في الخرص وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول أحمد وإسحق والخرص إذا أدركت الثمار من الرطب والعنب مما فيه الزكاة بعث السلطان خارصا يخرص عليهم والخرص أن ينظر من يبصر ذلك فيقول يخرج من هذا الزبيب كذا وكذا ومن التمر كذا وكذا فيحصي عليهم وينظر مبلغ العشر من ذلك فيثبت عليهم ثم يخلي بينهم وبين الثمار فيصنعون ما أحبوا فإذا أدركت الثمار أخذ منهم العشر هكذا فسره بعض أهل العلم وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في الخرص ) الخرص في اللغة هو الحزر والتخمين ، وسيجيء بيان ما هو المراد منه من المؤلف .

                                                                                                          قوله : ( أخبرني خبيب بن عبد الرحمن ) أبو الحارث المدني ، ثقة من الرابعة ( قال : سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار ) بكسر النون وبالتحتانية الأنصاري المدني ، مقبول من الرابعة ( جاء سهل بن أبي حثمة ) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة صحابي صغير ( إذا خرصتم ) أي حزرتم وخمنتم أيها السعاة ( فخذوا ) أي زكاة المخروص ( ودعوا الثلث ) أي اتركاه ، قال الطيبي : فخذوا جواب للشرط ، ودعوا عطف عليه ، أي إذا ( خرصتم ) فبينوا مقدار الزكاة ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار واتركوا الثلث لصاحب المال حتى يتصدق به ، انتهى .

                                                                                                          وقال القاضي : الخطاب مع المصدقين أمرهم أن يتركوا للمالك ثلث ما خرصوا عليه أو ربعه توسعة عليه حتى يتصدق به هو على جيرانه ومن يمر به ويطلب منه فلا يحتاج إلى أن يغرم ذلك من ماله ، وهذا قول قديم للشافعي وعامة أهل الحديث . وعند أصحاب الرأي لا عبرة بالخرص لإفضائه إلى الربا ، وزعموا أن الأحاديث الواردة فيه كانت قبل تحريم الربا ، ويرده حديث عتاب بن أسيد فإنه أسلم يوم الفتح ، وتحريم الربا كان مقدما ، انتهى .

                                                                                                          قال القاري بعد نقل كلام القاضي هذا : وحديث جابر الطويل في الصحيح صريح فإن تحريم الربا كان في حجة الوداع ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : قال الخطابي : أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم : إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا . لا يلزم به الحكم ؛ لأنه تخمين وغرور ، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار ، وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم ، والخرص عمل به في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى مات ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم ، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي قال : وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير . قال : واعتل الطحاوي بأنه [ ص: 245 ] يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها ، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما يسلم له . وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص . قال ابن المنذر : أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين : المثال التاسع والعشرون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا إصلاحها ، ثم ذكر أحاديث الخرص ثم قال : فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قالوا : والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخا لهذه الآثار ، وهذا من أبطل الباطل ، فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا ، والميتة والمذكى ، وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وإدخاله في الدين ، ويا لله العجب ! أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين ، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة؟ ! هذا والله الباطل حقا والله الموفق ، انتهى كلام ابن القيم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة ) أخرجه أبو داود ( وعتاب ) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقانية ( بن أسيد ) بفتح الهمزة وكسر المهملة ، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي .

                                                                                                          قوله : ( وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول إسحاق وأحمد ) قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر حديث سهل بن أبي حثمة : قال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم ، وفهم منه أبو عبيد في كتاب الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه ، فقال : يترك قدر احتياجهم . وقال مالك وسفيان : لا يترك لهم شيء . وهو المشهور عن الشافعي .

                                                                                                          قال ابن العربي : والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة ، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبا ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( والخرص إذا أدركت الثمار إلخ ) من إدراك الشيء بلغ وقته كذا القاموس . قال [ ص: 246 ] الحافظ ابن حجر : وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية