الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 312 ] ( قوله ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته ) ; لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا فيصير عذرا في التأخير لا في الإسقاط وإنما لا يقضي اليوم الأول لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية إذ الظاهر وجودها منه ويقضي ما بعده لانعدام النية ولا فرق بين أن يحدث الإغماء في الليل أو في النهار في أنه لا يقضي اليوم الأول وإنما ذكر المصنف حدوثه في ليلته ليعلم حكم ما إذا حدث في اليوم بالأولى لوجود الإمساك وهو ليس بمغمى عليه وأشار إلى أن الإغماء لو كان في شعبان قضاه كله لعدم النية وإلى أنه لو كان متهتكا يعتاد الأكل في رمضان أو مسافرا قضاه كله لعدم ما يدل على وجود النية ( قوله : وبجنون غير ممتد ) أي يقضيه إذا فاته بجنون غير ممتد وهو أن لا يستوعب الشهر والممتد هو أن يستوعب الشهر وهو مسقط للحرج بخلاف ما دونه ; لأن السبب قد وجد وهو الشهر والأهلية بالذمة وفي الوجوب فائدة وهو صيرورته مطلوبا على وجه لا يحرج في أدائه بخلاف المستوعب فإنه يحرج في أدائه فلا فائدة فيه والإغماء لا يستوعب الشهر عادة فلا حرج وإلا كان ربما يموت فإنه لا يأكل ولا يشرب أطلقه فشمل الجنون الأصلي والعارض وهو ظاهر الرواية وعن محمد أنه فرق بينهما ; لأنه إذا بلغ مجنونا التحق بالصبي فانعدم الخطاب بخلاف ما إذا بلغ عاقلا ثم جن وهذا مختار بعض المتأخرين ودخل تحت غير الممتد ما إذا أفاق آخر يوم من رمضان سواء كان قبل الزوال أو بعده فإنه يلزمه قضاء جميع الشهر خلافا لما في غاية البيان عن حميد الدين الضرير أنه قال إذا أفاق بعد الزوال في آخر يوم من رمضان لا يلزمه شيء وصححه في النهاية والظهيرية ; لأن الصوم لا يصح فيه كالليل اعلم أن الجنون ينافي النية التي هي شرط العبادات فلا يجب مع الممتد منه مطلقا للحرج وما لا يمتد جعل كالنوم ; لأن الجنون لا ينفي أصل الوجوب إذ هو بالذمة وهي ثابتة له باعتبار آدميته حتى ورث وملك وكان أهلا للثواب كأن نوى صوم الغد بعد غروب الشمس فجن فيه ممسكا كله صح فلا يقضي لو أفاق بعده وصح إسلامه تبعا

                                                                                        وإذا كان المسقط الحرج لزم اختلاف الامتداد المسقط فقدر في الصلاة بالزيادة على يوم وليلة عندهما وعند محمد بصيرورة الصلاة ستا وهو أقيس لكنهما [ ص: 313 ] أقاما الوقت مقام الواجب كما في المستحاضة وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره وفي الزكاة باستغراق الحول وأبو يوسف جعل أكثره ككله وأما الصغير فقبل أن يعقل كالجنون الممتد وإذا عقل تأهل للأداء دون الوجوب إلا الإيمان وأما النائم فلكون النوم موجبا للعجز لزم تأخير خطاب الأداء لا أصل الوجوب ولذا وجب القضاء إذا زال بعد الوقت ولما كان لا يمتد غالبا لم يسقط به شيء من العبادات لعدم الحرج والإغماء فوقه وإن امتد في الصلوات بأن زاد على يوم وليلة جعل عذرا مسقطا لها دفعا للحرج لكونه غالبا ولم يجعل عذرا في الصوم ; لأن امتداده شهرا نادر فلم يكن في إيجابه حرج بهذا ظهر أن الأعذار أربعة صبا وجنون وإغماء ونوم وقد علم أحكامها والله الموفق للصواب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله أو مسافرا قضاه كله ) قال في النهر كذا قالوا وينبغي أن يقيد بمسافر يضره الصوم أما من لا يضره فلا يقضي ذلك اليوم حملا لأمره على الصلاح لما مر من أن صومه أفضل ، وقول بعضهم : إن قصد صوم الغد في الليالي من المسافر ليس بظاهر ممنوع فيما إذا كان لا يضره قال الشمني وهذا إذا لم يذكر أنه نوى أم لا أما إذا علم أنه نوى فلا شك في الصحة وإن علم أنه لم ينو فلا شك في عدمها ( قوله : وعن محمد أنه فرق بينهما ) أي قال إن بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر ليس عليه قضاء ما مضى وروى هشام عن أبي يوسف أنه قال في القياس لا قضاء عليه ولكني أستحسن فأوجب عليه قضاء ما مضى من الشهر ; لأن الجنون الأصلي لا يفارق العارض في شيء من الأحكام وليس فيه رواية عن أبي حنيفة واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه والأصح أنه ليس عليه قضاء ما مضى كذا في المبسوط كذا في العناية وفي مواهب الرحمن وألزمناه بالقضاء لو أفاق بعضه ولم نسقطه إلا في الأصلي على الأصح ا هـ .

                                                                                        لكن في شرح الجامع الصغير لقاضي خان وجواب الكتاب مطلقا فيجري على إطلاقه وهو صحيح نص عليه في المنتقى ( قوله : وصححه في النهاية والظهيرية ) أي صححا ما في غاية البيان وكذا في العناية وفي المجتبى والمعراج وعليه الفتوى وهو مختار شمس الأئمة [ ص: 313 ] كما في الإمداد ومشى عليه مصححا له في نور الإيضاح .




                                                                                        الخدمات العلمية