الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
55 - " أبغض الرجال إلى الله الألد؛ الخصم " ؛ (ق حم ت ن) ؛ عن عائشة ؛ (صح).

التالي السابق


(أبغض الرجال) ؛ المخاصمين؛ وكذا الخناثى؛ والنساء؛ وإنما خص الرجال لأن اللدد فيهم أغلب؛ ولأن غيرهم لهم تبع في جميع المواطن؛ ألا ترى إلى قول الزمخشري : اكتفى الله بذكر توبة آدم؛ دون حواء؛ لأنها كانت تبعا له؛ كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك؟ (إلى الله؛ الألد) ؛ بفتح الهمزة واللام؛ وشد الدال؛ أي: الشديد الخصومة بالباطل؛ الآخذ في كل لدد؛ أي: في كل شيء من المراء والجدال؛ لفرط لجاجه؛ كذا قرره الزمخشري ؛ قال الزركشي: ومنه: وتنذر به قوما لدا ؛ (الخصم) ؛ بفتح المعجمة؛ وكسر المهملة؛ أي: المولع بها؛ الماهر فيها؛ الحريص عليها؛ المتمادي في الخصام بالباطل؛ لا ينقطع جداله؛ وهو يظهر أنه على الحسن الجميل؛ ويوجه لكل شيء من خصامه وجها؛ ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة؛ ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق؛ وعكسه؛ بحيث صار ذلك عادته وديدنه؛ فالأول ينبئ عن الشدة؛ والثاني عن الكثرة؛ وسمي " ألد" ؛ لاستعماله لدديه؛ أي: جانبي فمه؛ وعنقه؛ وذهب بعضهم إلى أن " ال" ؛ في: " الرجال" ؛ للجنس؛ وفي: " الألد" ؛ للعهد؛ والمراد به الخصم الذي خصامه ومجادلته مع الله؛ والذم وصف للمخاصم؛ والصفة؛ وهو كونه منشأ من موات؛ وهو المني: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ؛ وقصة أبي بن خلف في قوله: لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه؛ مشهورة؛ وذلك لأن الخصومة في ذلك كفر؛ والكافر أبغض الخلق إلى الله؛ قال: ولو جعلت " ال" ؛ فيه جنسية لاستلزم كون الألد المؤمن أبغض إلى الله؛ من حيث جنس الرجال؛ وفيهم الكافر؛ ورجح ابن حجر ما تقرر أولا من تنزيل الرجال على المخاصمين؛ أو أن المراد الألد في الباطل؛ المستحل له؛ أو أن ذلك ورد على منهج الزجر لمن هذه صفته؛ وتنبيها على قبح حاله؛ وتفضيحه؛ بتهجين عادته؛ وتفظيع طريقته؛ فعسى أن ينجع فيه هذا التشنيع؛ فيلين قلبه؛ وتنقاد نفسه؛ وتضمحل رذائله؛ فيرجع عما هو عليه من الشرور؛ فيحصل له السرور بدخوله في قوله (تعالى): إلا الذين تابوا

(تتمة) : قال الغزالي: إذا خاصمت فتوقر؛ وتحفظ من جهلك وعجلتك؛ وتفكر في حجتك؛ ولا تكثر الإشارة بيدك؛ ولا الالتفات إلى من وراءك؛ ولكن اجث على ركبتيك؛ وإذا هدأ غضبك فتكلم؛ وإن قربك الشيطان فكن منه على حذر؛ فهذه آداب المخاصمة.

(ق حم ت؛ عن عائشة ) - رضي الله عنها -؛ ورواه أيضا عنها أحمد .



الخدمات العلمية