الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها فقال إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد وكانت له امرأة وكان بها معجبا ولها محبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا ولقي عليها أسفا حتى خلا في بيت وغلق على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته فذهب الناس ولزمت بابه وقالت ما لي منه بد فقال له قائل إن هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت إن أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب فقال ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت إني جئتك أستفتيك في أمر قال وما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم فقال نعم والله فقالت إنه قد مكث عندي زمانا فقال ذلك أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانا فقالت أي يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          559 561 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ) ابن الصديق ( أنه قال : هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي ) بضم القاف ، المدني ، ولد سنة أربعين على الصحيح ، ووهم من قال في العهد النبوي ، فقد قال البخاري : إن أباه كان ممن لم ينبت من بني قريظة ، مات سنة عشرين ومائة ، وقيل قبلها ( يعزيني بها فقال : إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد ) في العبادة وما قبلها ( وكانت له امرأة وكان بها معجبا ) مستحسنا لها راضيا بجمالها ( لها ) وفي نسخة ولها بالواو ( محبا ، فماتت فوجد ) حزن ( عليها وجدا ) حزنا ( شديدا ، ولقي عليها أسفا ) تلهفا وحزنا ( حتى خلا في بيت وغلق ) بالتشديد للمبالغة ، قفل ( على نفسه واحتجب من الناس ، فلم يكن يدخل عليه أحد ) لما غلبه من شدة الحزن ( وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت : إن لي إليه حاجة أستفتيه ) أطلب فتياه ( فيها ليس يجزيني ) بضم أوله ، من أجزأ بمعنى أغنى ، أي يغنيني ، وبفتح أوله من جزى ، نقلهما الأخفش لغتين بمعنى واحد ، فقال : الثلاثي بلا همز لغة الحجاز والرباعي المهموز لغة تميم ( فيها إلا مشافهته ) خطابه بالشفاه بلا واسطة ( فذهب الناس ولزمت بابه ، وقالت ما لي منه بد ) أي محيد ( فقال له قائل : [ ص: 117 ] إن هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت : إن ) نافية أي ما ( أردت إلا مشافهته ، وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب ، فقال : ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت : إني جئتك أستفتيك في أمر ، قال : وما هو ؟ قالت : إني استعرت من جارة لي حليا ) بفتح فسكون ، مفرد حلي بضمتين ( فكنت ألبسه ) بفتح الباء ( وأعيره زمانا ، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم ؟ فقال : نعم والله ) يلزمك تأديته ، وأقسم تأكيدا للفتوى ( فقالت : إنه قد مكث عندي زمانا ، فقال : ذلك ) بكسر الكاف ( أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانا ، فقالت : أي ) بفتح فسكون ، نداء للقريب ( يرحمك الله أفتأسف على ما أعاركه ) ولابن وضاح أعارك ( الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك ) قال لبيد :


                                                                                                          وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع



                                                                                                          ( فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها ) ففيه وعظ العالم ، وإن كان الواعظ دونه في العلم فقد يخطئ الفاضل ، ويوفق المفضول ، قاله الباجي . وفي الاستذكار هذا خبر حسن عجيب في التعازي وليس في كل الموطآت ، وما ذكرته من العارية للحلي على جهة ضرب المثل لا يدخل في مذموم الكذب ، بل ذلك من الأمر المحمود عليه صاحبه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ليس بالكاذب من قال خيرا أو نمى خيرا أو أصلح بين اثنين " ، انتهى . وقد ضربت المثل بالعارية أم سليم لزوجها أبي طلحة وعلم بذلك المصطفى فأقره ، وذلك لما مات ابنه منها أبو عمير ونحته في جانب البيت ولم يكن فيه أبو طلحة ، فلما جاء قال : كيف الغلام ؟ قالت : هدأت نفسه وأرجو أنه استراح ، وقربت له العشاء فتعشى ثم تطيبت وتعرضت له حتى واقعها ، فلما أراد أن يخرج قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا ، قالت : فاحتسب ابنك ، فغضب ، وقال : تركتيني حتى تلطخت ثم أخبرتيني بابني . وفي رواية : فقال أبو طلحة : ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها ، فقالت : إن الله أعارنا غلاما ثم أخذه منا ، فاسترجع ثم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما [ ص: 118 ] كان منها فقال : لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما . وفي رواية : اللهم بارك لهما ، فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة . قال بعض الأنصار : فرأيت له تسعة أولاد ، بتقديم التاء على السين ، كلهم قد قرءوا القرآن ، كما ذلك مبسوط في مسلم والبخاري وغيرهما . وقد عد علماء الأنساب من أسماء أولاد عبد الله ، ممن قرأ القرآن وحمل العلم : إسحاق ، وإسماعيل ، ويعقوب ، وعمير ، وعمرو ، ومحمد ، وعبد الله ، وزيد ، والقاسم ، تسعة .




                                                                                                          الخدمات العلمية