الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد تنازع العلماء فيما إذا صلى باجتهاده فترك ما هو واجب عند المأموم ، أو فعل ما هو محرم عند المأموم ، كالشافعي والحنبلي على قول ، فصلى خلف المالكي الذي لا يقرأ البسملة ، أو المالكي والشافعي إذا خرج منه دم ولم يتوضأ ، فصلى خلفه حنفي أو حنبلي يرى الوضوء من ذلك ، [وأمثال] هذه المسائل . فهذا إذا تيقنه المأموم ففي صلاته قولان مشهوران للعلماء ، والنزاع في ذلك في مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة . وأما مذهب مالك فما أعلم فيه نزاعا أنه يصح الصلاة خلفه . وهذا هو الصحيح المشهور عن أحمد في مسائل الاجتهاد التي تعارضت فيها النصوص . وكذلك الشافعي ، وقد ثبت عنه أنه كان يصلي خلف المالكية ، وهو يعلم أنهم لا يقرأون البسملة ، وأبو يوسف صلى خلف هارون الرشيد ، وقد احتجم وأفتاه مالك أنه لا يتوضأ .

وقد دل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 445 ] قال : «يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم » . فصرح أن الإمام إذا أخطأ كان خطؤه عليه دون المأموم . وغاية هذه المسائل أن يكون الإمام فيها مخطئا ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه عليه دون المأموم .

وبهذا يظهر الجواب عن قولهم : «إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام ، فإذا علم بطلان صلاته كانت صلاته خلفه كالصلاة خلف من لا صلاة له ، كالمحدث المتعمد الصلاة مع حدثه » . فإن هذا القياس خطأ وذلك أن المأموم يعلم أن الإمام مجتهد ، إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر ، وخطؤه مغفور له ، وإذا كان يعلم أنه لا إثم عليه فممتنع أن يعتقد بطلان صلاته . وإن كان هو يرى بطلان صلاة نفسه ، كما أنه لو فعل ما يعلم تحريمه أو ما يرى وجوبه ، قدح ذلك في دينه وعدله ، ولو فعل ذلك من هو مجتهد يسوغ له الاجتهاد لم يقدح ذلك في دينه وعدله .

التالي السابق


الخدمات العلمية