الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        588 حدثنا إسحاق بن راهويه قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا هشام عن يحيى نحوه قال يحيى وحدثني بعض إخواننا أنه قال لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقال هكذا سمعنا نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قال يحيى فحدثني صاحب لنا " أنه لما قال حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال هكذا سمعنا نبيكم " ) . انتهى . فاشتمل هذا السياق على فوائد : أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه ، ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري ، ثالثها أن قوله في الرواية الأولى " أنه سمع معاوية يوما فقال مثله " فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله ، رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له ، خامسها أن قوله " قال يحيى " ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم ، بل هو عنده بإسناد إسحاق . وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين ، ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه ، كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه ، وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه . وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه ، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي ، وفيه نظر ، لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية ، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية ؟ وقد غلب على ظني أنه علقمة بن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه ، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة ، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين : أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه ، والآخر عن علقمة بن وقاص عنه ، وقد أخرجه النسائي واللفظ له ، وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال " إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن ، فقال معاوية كما قال ، حتى إذا قال حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما قال حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ، ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك " ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال : كنت عند معاوية فذكر مثله ، وأوضح سياقا منه ، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب ، بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره ، وأن " إلى " في قوله في الطريق الأولى " فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله " بمعنى " مع " كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية ، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني ، ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة [ ص: 112 ] منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها ، لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا . وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية