الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      العباس بن الوليد : حدثنا أبي : سمعت الأوزاعي يقول : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوه لك بالقول ، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم .

                                                                                      قال بقية بن الوليد : قال لي الأوزاعي : يا بقية ، لا تذكر أحدا من أصحاب نبيك إلا بخير . يا بقية ، العلم ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما لم يجئ عنهم ، فليس بعلم .

                                                                                      قال بقية ، والوليد بن مزيد : قال الأوزاعي : لا يجتمع حب علي وعثمان - رضي الله عنهما - إلا في قلب مؤمن .

                                                                                      كتب إلي القاضي عبد الواسع الشافعي ، وعدة ، عن أبي الفتح المندائي أنبأنا عبيد الله بن محمد بن أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أنبأنا جدي في كتاب " الأسماء والصفات " له ، أنبأنا أبو عبد الله [ ص: 121 ] الحافظ ، أنبأنا محمد بن علي الجوهري ببغداد ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم ، حدثنا محمد بن كثير المصيصي : سمعت الأوزاعي يقول : كنا - والتابعون متوافرون - نقول : إن الله - تعالى - فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته .

                                                                                      قال الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل ، ومنعهم العمل .

                                                                                      محمد بن الصباح : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي قال : كتب إلي قتادة من البصرة : إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك ، فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة .

                                                                                      قلت : قوله : كتب إلي - وفي بعض حديثه يقول - : كتب إلي قتادة : هو على المجاز ، فإن قتادة ولد أكمه ، وإنما أمر من يكتب إلى الأوزاعي . ويتفرع على هذا أن رواية ذلك عن الأعمى إنما وقعت بواسطة من كتب ، ولم يسم في الحديث ، ففي ذلك انقطاع بين . خيثمة بن سليمان : حدثنا العباس بن الوليد : سمعت أبي ، سمعت الأوزاعي يقول : جئت إلى بيروت أرابط فيها ، فلقيت سوداء عند المقابر ، فقلت لها : يا سوداء ، أين العمارة ؟ قالت : أنت في العمارة ، وإن أردت الخراب فبين يديك .

                                                                                      أحمد بن عبد الواحد بن عبود : حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، قال : وقع عندنا رجل من جراد ببيروت ، وكان عندنا رجل له فضل ، فحدث أنه رأى رجلا راكبا ، فذكر من عظم الجرادة ، وعظم الرجل ، قال : وعليه خفان أحمران طويلان ، وهو يقول : الدنيا باطلة ، وباطل ما فيها ، ويومئ [ ص: 122 ] بيده ، حيثما أومأ انساب الجراد إلى ذلك الموضع . رواها علي بن زيد الفرائضي ، عن محمد بن كثير ، سمعت الأوزاعي : أنه هو الذي رأى ذلك .

                                                                                      ابن ذكوان : حدثنا ابن أبي السائب ، عن أبيه ، قال : حدثنا الأوزاعي . يقول مكحول : ما أحرص ابن أبي مالك على القضاء ! فقال : لقد كنت ممن سدد لي رأيي .

                                                                                      قال أبو زرعة : أريد على القضاء في أيام يزيد الناقص فامتنع - يعني الأوزاعي - جلس لهم مجلسا واحدا .

                                                                                      قال الأوزاعي : من أكثر ذكر الموت ، كفاه اليسير ، ومن عرف أن منطقه من عمله ، قل كلامه .

                                                                                      أبو يعقوب الأذرعي : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الغمر الطبراني ، حدثنا هاشم بن مرثد : سمعت أحمد بن الغمر ، قال : لما جلت المحنة التي نزلت بالأوزاعي - لما نزل عبد الله بن علي حماة - بعث إليه ، فأشخص ، قال : فنزل على ثور بن يزيد الحمصي . قال الأوزاعي : فلم يزل ثور يتكلم في القدر من بعد صلاة العشاء الآخرة إلى أن طلع الفجر ، وأنا ساكت - ما أجابه بحرف - فلما انفجر الفجر ، صليت ، ثم أتيت حماة فأدخلت على عبد الله بن علي ، فقال : يا أوزاعي ، أيعد مقامنا هذا [ ص: 123 ] ومسيرنا رباطا ؟ فقلت : جاءت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله " ثم ساق القصة .

                                                                                      يعقوب بن شيبة : حدثنا أبو عبد الملك بن الفارسي ، وهو عبد الرحمن بن عبد العزيز ، حدثنا الفريابي ، حدثنا الأوزاعي ، قال : لما فرغ عبد الله بن علي - يعني عم السفاح - من قتل بني أمية ، بعث إلي ، وكان قتل يومئذ نيفا [ ص: 124 ] وسبعين منهم بالكافركوبات فدخلت عليه ، فقال : ما تقول في دماء بني أمية ؟ فحدت ، فقال : قد علمت من حيث حدت فأجب . قال : وما لقيت مفوها مثله . فقلت : كان لهم عليك عهد . قال : فاجعلني وإياهم ولا عهد ، ما تقول في دمائهم ؟ قلت : حرام ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث . . . " الحديث .

                                                                                      فقال : ولم ويلك ؟ ! وقال : أليست الخلافة وصية من رسول الله ، قاتل عليها علي - رضي الله عنه - بصفين ؟ قلت : لو كانت وصية ما رضي بالحكمين . فنكس رأسه ، ونكست ، فأطلت ، ثم قلت : البول . فأشار بيده : اذهب . فقمت ، فجعلت لا أخطو خطوة إلا قلت : إن رأسي يقع عندها .

                                                                                      سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى : حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد القارئ ، حدثنا الأوزاعي ، قال : بعث عبد الله بن علي إلي ، فاشتد ذلك علي ، وقدمت ، فدخلت ، والناس سماطان فقال : ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه ؟ قلت : أصلح الله الأمير ! قد كان بيني وبين داود بن علي مودة . قال : لتخبرني . فتفكرت ، ثم قلت : لأصدقنه ، واستبسلت للموت ، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث " الأعمال " وبيده قضيب ينكت به ، ثم قال : يا عبد الرحمن : ما تقول في قتل أهل هذا البيت ؟ قلت : حدثني محمد بن مروان ، عن مطرف بن الشخير ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يحل قتل المسلم إلا في ثلاث . . . " [ ص: 125 ] وساق الحديث . فقال : أخبرني عن الخلافة ، وصية لنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقلت : لو كانت وصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترك علي - رضي الله عنه - أحدا يتقدمه . قال : فما تقول في أموال بني أمية ؟ قلت : إن كانت لهم حلالا ، فهي عليك حرام ، وإن كانت عليهم حراما ، فهي عليك أحرم . فأمرني ، فأخرجت .

                                                                                      قلت : قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا ، سفاكا للدماء ، صعب المراس ، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى ، لا كخلق من علماء السوء ، الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف ، ويقلبون لهم الباطل حقا - قاتلهم الله - أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق .

                                                                                      خيثمة : حدثنا الحوطي ، حدثنا أبو الأسوار محمد بن عمر التنوحي ، قال : كتب المنصور إلى الأوزاعي :

                                                                                      أما بعد . . . فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقه ، فاكتب إلي بما رأيت فيه المصلحة مما أحببت . فكتب إليه : أما بعد . . فعليك بتقوى الله ، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق ، واعلم أن قرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن تزيد حق الله عليك إلا عظما ، ولا طاعته إلا وجوبا .

                                                                                      قال محمد بن شعيب : سمعت الأوزاعي يقول : من أخذ بنوادر العلماء ، خرج من الإسلام .

                                                                                      وعن الأوزاعي قال : ما ابتدع رجل بدعة ، إلا سلب الورع . رواها بقية عن معمر بن عريب ، عنه .

                                                                                      الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : إن المؤمن يقول قليلا ، ويعمل كثيرا ، وإن المنافق يتكلم كثيرا ، ويعمل قليلا . [ ص: 126 ]

                                                                                      قال بشر بن المنذر قاضي المصيصة : رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع .

                                                                                      وقال الوليد بن مزيد : سمعت الأوزاعي يقول : كان يقال : ويل للمتفقهين لغير العبادة ، والمستحلين الحرمات بالشبهات .

                                                                                      العباس بن الوليد بن مزيد : حدثني محمد بن عبد الرحمن السلمي ، حدثني محمد بن الأوزاعي : قال لي أبي : يا بني ، أحدثك بشيء لا تحدث به ما عشت : رأيت كأنه وقف بي على باب الجنة ، فأخذ بمصراعي الباب ، فزال عن موضعه ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر يعالجون رده ، فردوه ، فزال ، ثم أعادوه ، قال : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عبد الرحمن : ألا تمسك معنا ؟ فجئت حتى أمسك معهم حتى ردوه .

                                                                                      قال أحمد بن علي الأبار : حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا الحواري بن أبي الحواري قال : دخل الأوزاعي على أبي جعفر ، فلما أراد أن ينصرف ، استعفى من لبس السواد ، فأجابه أبو جعفر ، فلما خرج الأوزاعي ، قالوا له ، فقال : لم يحرم فيه محرم ، ولا كفن فيه ميت ، ولم يزين فيه عروس .

                                                                                      عبد الحميد بن بكار : حدثنا ابن أبي العشرين : سمعت أميرا كان بالساحل يقول - وقد دفنا الأوزاعي ، ونحن عند القبر - : رحمك الله أبا عمرو فلقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني .

                                                                                      قال محمد بن عبيد الطنافسي : كنت عند سفيان الثوري ، فجاءه رجل ، فقال : رأيت كأن ريحانة من المغرب رفعت . قال : إن صدقت رؤياك ، فقد مات الأوزاعي . فكتبوا ذلك ، فوجد كذلك في ذلك اليوم .

                                                                                      قال عباس الدوري : سمعت يحيى يقول : مات الأوزاعي في الحمام . [ ص: 127 ] أحمد بن عيسى المصري : حدثني خيران بن العلاء - وكان من خيار أصحاب الأوزاعي - قال : دخل الأوزاعي الحمام ، وكان لصاحب الحمام حاجة ، فأغلق عليه الباب وذهب ، ثم جاء ، ففتح ، فوجد الأوزاعي ميتا مستقبل القبلة .

                                                                                      ابن زبر : حدثنا إسحاق بن خالد ، حدثنا أبو مسهر ، قال : بلغنا موت الأوزاعي ، وأن امرأته أغلقت عليه باب الحمام ، غير متعمدة ، فمات ، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة ، ولم يخلف سوى ستة دنانير ، فضلت من عطائه ، وكان قد اكتتب - رحمه الله - في ديوان الساحل .

                                                                                      العباس بن الوليد بن مزيد : سمعت عقبة بن علقمة قال : سبب موت الأوزاعي أنه اختضب ، ودخل الحمام الذي في منزله ، وأدخلت معه امرأته كانونا فيه فحم ، لئلا يصيبه البرد ، وأغلقت عليه من برا ، فلما هاج الفحم ، ضعفت نفسه ، وعالج الباب ليفتحه ، فامتنع عليه ، فألقى نفسه ، فوجدناه موسدا ذراعه إلى القبلة .

                                                                                      قال العباس بن الوليد : وحدثني سالم بن المنذر ، قال : لما سمعت الضجة بوفاة الأوزاعي ، خرجت ، فأول من رأيت نصرانيا ، قد ذر على رأسه الرماد ، فلم يزل المسلمون من أهل بيروت يعرفون له ذلك ، وخرجنا في جنازته أربعة أمم : فحمله المسلمون ، وخرجت اليهود في ناحية ، والنصارى في ناحية ، والقبط في ناحية .

                                                                                      قال ابن المديني : مات الأوزاعي سنة إحدى وخمسين ومائة .

                                                                                      قلت : هذا خطأ . وقال هشام بن عمار ، عن الوليد بن مسلم : في سنة ست وخمسين فوهم هشام ; لأن صفوان بن صالح روى عن الوليد هو وغيره ، والوليد بن مزيد ، ويحيى القطان ، وأبو مسهر وعدة ، قالوا : مات سنة [ ص: 128 ] سبع وخمسين ، ومائة وزاد بعضهم فقال : في صفر ، وفيها مات .

                                                                                      قال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو جعفر الآدمي قال : قال يزيد بن مذعور : رأيت الأوزاعي في منامي ، فقلت : دلني على درجة أتقرب بها إلى الله ، فقال : ما رأيت هناك أرفع من درجة العلماء ، ومن بعدها درجة المحزونين .

                                                                                      ترجمة الأوزاعي في " تاريخ " الحافظ ابن عساكر في أربعة كراريس وهو أول من دون العلم بالشام ، وبلغنا أنه كان يعتم بعمامة مدورة بلا عذبة - رحمه الله تعالى .

                                                                                      الحاكم : حدثنا أبو بكر الإسماعيلي إملاء ، أنبأنا محمد بن خلف بن المرزبان ، أنبأنا أبو نشيط محمد بن هارون ، حدثنا الفريابي ، قال : اجتمع الثوري والأوزاعي وعباد بن كثير بمكة ، فقال الثوري للأوزاعي : حدثنا يا أبا عمرو حديثك مع عبد الله بن علي . قال : نعم ، لما قدم الشام ، وقتل بني أمية ، جلس يوما على سريره ، وعبأ أصحابه أربعة أصناف : صنف معهم السيوف المسللة ، وصنف معهم الجزرة ، أظنها الأطبار ، وصنف معهم الأعمدة ، وصنف معهم الكافركوب ، ثم بعث إلي ، فلما صرت بالباب ، أنزلوني ، وأخذ اثنان بعضدي ، وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني مقاما يسمع كلامي ، فسلمت . فقال : أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ؟ قلت : نعم ، أصلح الله الأمير . قال : ما تقول في دماء بني أمية ؟ - فسأل مسألة رجل [ ص: 129 ] يريد أن يقتل رجلا - فقلت : قد كان بينك وبينهم عهود . فقال : ويحك ! اجعلني وإياهم لا عهد بيننا . فأجهشت نفسي ، وكرهت القتل ، فذكرت مقامي بين يدي الله - عز وجل - فلفظتها ، فقلت : دماؤهم عليك حرام ، فغضب ، وانتفخت عيناه وأوداجه ، فقال لي : ويحك ، ولم ؟ ! قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : ثيب زان ، ونفس بنفس ، وتارك لدينه " قال : ويحك ، أوليس الأمر لنا ديانة ؟ ! قلت : وكيف ذاك ؟ . قال : أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أوصى إلى علي ؟ قلت : لو أوصى إليه ما حكم الحكمين . فسكت ، وقد اجتمع غضبا ، فجعلت أتوقع رأسي تقع بين يدي ، فقال بيده : هكذا - أومأ أن أخرجوه - فخرجت ، فركبت دابتي ، فلما سرت غير بعيد ، إذا فارس يتلوني ، فنزلت إلى الأرض ، فقلت : قد بعث ليأخذ رأسي ، أصلي ركعتين ، فكبرت ، فجاء - وأنا قائم أصلي - فسلم ، وقال : إن الأمير قد بعث إليك بهذه الدنانير فخذها . فأخذتها ، ففرقتها قبل أن أدخل منزلي . فقال سفيان : ولم أردك أن تحيد حين قال لك ما قال .

                                                                                      الوليد بن مزيد : سمع الأوزاعي يقول : لا ينبغي للإمام أن يخص نفسه بشيء من الدعاء ، فإن فعل فقد خانهم . [ ص: 130 ] العباس بن الوليد : حدثني عباس بن نجيح الدمشقي ، حدثني عون بن حكيم قال : حججت مع الأوزاعي ، فلما أتى المدينة ، وأتى المسجد ، بلغ مالكا مقدمه ، فأتاه ، فسلم عليه ، فلما صليا الظهر تذاكرا أبواب العلم ، فلم يذكرا بابا إلا ذهب عليه الأوزاعي فيه ، ثم صلوا العصر ، فتذاكرا ، كل يذهب عليه الأوزاعي فيما يأخذان فيه ، حتى اصفرت الشمس ، أو قرب اصفرارها ، ناظره مالك في باب المكاتبة والمدبر .

                                                                                      العباس بن الوليد : حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، قال : كنا عند أبي إسحاق الفزاري ، فذكر الأوزاعي ، فقال : ذاك رجل كان شأنه عجيا ، كان يسأل عن الشيء عندنا فيه الأثر ، فيرد - والله - الجواب ، كما هو في الأثر ، لا يقدم منه ولا يؤخر .

                                                                                      الوليد بن مسلم : سمعت صدقة بن عبد الله يقول : ما رأيت أحدا أحلم ولا أكمل ولا أحمل فيما حمل من الأوزاعي .

                                                                                      العباس بن الوليد : سمعت أبا مسهر يقول : كان الأوزاعي يقول : ما عرضت فيما حمل عني أصح من كتب الوليد بن مزيد .

                                                                                      أبو فروة ، يزيد بن محمد الرهاوي : سمعت أبي يقول : قلت لعيسى بن يونس : أيهما أفضل : الأوزاعي أو سفيان ؟ فقال : وأين أنت من سفيان ؟ قلت : يا أبا عمرو : ذهبت بك العراقية ، الأوزاعي ، فقهه ، وفضله ، وعلمه ! فغضب ، وقال : أتراني أؤثر على الحق شيئا . سمعت الأوزاعي يقول : ما أخذنا العطاء حتى شهدنا على علي بالنفاق ، وتبرأنا منه ، وأخذ علينا بذلك [ ص: 131 ] الطلاق والعتاق وأيمان البيعة ، قال : فلما عقلت أمري ، سألت مكحولا ويحيى بن أبي كثير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ، فقال : ليس عليك شيء ، إنما أنت مكره ، فلم تقر عيني . حتى فارقت نسائي ، وأعتقت رقيقي ، وخرجت من مالي ، وكفرت أيماني . فأخبرني : سفيان كان يفعل ذلك ؟

                                                                                      العباس بن الوليد : حدثنا أبو عبد الله بن فلان : سمعت الأوزاعي يقول : نتجنب من قول أهل العراق خمسا ، ومن قول أهل الحجاز خمسا . من قول أهل العراق : شرب المسكر ، والأكل عند الفجر في رمضان ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله ، والفرار يوم الزحف . ومن قول أهل الحجاز : استماع الملاهي ، والجمع بين الصلاتين من غير عذر ، والمتعة بالنساء ، والدرهم بالدرهمين ، والدينار بالدينارين يدا بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن . [ ص: 132 ] عن سعيد بن سالم صاحب الأوزاعي : قدم أبو مرحوم من مكة على الأوزاعي ، فأهدى له طرائف ، فقال له : إن شئث قبلت منك ، ولم تسمع مني حرفا ، وإن شئت ، فضم هديتك ، واسمع .

                                                                                      قال الوليد بن مسلم : قلت لسعيد بن عبد العزيز : من أدركت من التابعين كان يبكر إلى الجمعة ؟ قال : ما رأيت أبا عمرو ؟ قلت : بلى . قال : فإنه قد كفا من قبله ، فاقتد به ، فلنعم المقتدى .

                                                                                      موسى بن أعين : قال الأوزاعي : كنا نضحك ونمزح ، فلما صرنا يقتدى بنا ، خشيت أن لا يسعنا التبسم . قال الوليد بن مزيد : رأيت الأوزاعي يعتم ، فلا يرخي لها شيئا .

                                                                                      ذكر بعض الحفاظ أن حديث الأوزاعي نحو الألف - يعني المسند - أما المرسل والموقوف ، فألوف . وهو في الشاميين نظير معمر لليمانيين ، ونظيرالثوري للكوفيين ، ونظير مالك للمدنيين ، ونظير الليث للمصريين ، ونظير حماد بن سلمة للبصريين .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق القرافي بها ، أنبأنا المبارك بن أبي الجود ببغداد ، أنبأنا أحمد بن أبي غالب الزاهد ، أنبأنا عبد العزيز بن علي الأنماطي ، أنبأنا الشيخ أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني يحيى بن [ ص: 133 ] أبي كثير ، حدثني أبو قلابة الجرمي ، حدثني أنس بن مالك ، قال : قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية نفر من عكل ، فاجتووا المدينة فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فأتوها ، فقتلوا رعاتها ، واستاقوا الإبل . فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم قافة ، فأتى بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم لم يحسمهم أخرجه البخاري ، عن رجل ، عن شعيب .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، أنبأنا الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي ، أنبأنا جدي ، أنبأنا علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء الفقيه ، حدثنا محمد بن الفضل الفراء بمصر ، أنبأنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين السندي ، حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن كثير ، سمعت الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر : " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين " [ ص: 134 ] هذا حديث حسن اللفظ ، لولا لين في محمد بن كثير المصيصي لصحح . أخرجه الترمذي ، وحسنه عن الحسن بن الصباح ، عن ابن كثير . وأخرجه الحافظ الضياء في " المختارة " عن هذا الأسدي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية