الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما أكثر من يترك واجبا في نفس الأمر أو يفعل محرما في نفس الأمر ، ولم تكن قد قامت عليه الحجة ، فلا يثبت في حقه حكم الوجوب والتحريم ؛ لأن الله يقول : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء :15] .

ولو قيل لهذا المأموم : أنت تقول في هذا الإمام : «إن صلاته باطلة ، بمنزلة من صلى بغير وضوء وهو يعلم ذلك بخبثه وفسقه » ، فيقول : لا . ويقال له : هو مأجور على هذه الصلاة مثاب عليها ، قد برئت ذمته من [ ص: 446 ] الطلب [بها] أو هي ثابتة في [ذمته] عليه إعادتها ؟ فإن قال بالثاني فقد خالف إجماع الفقهاء ، وإن قال بالأول بطل قوله .

ويقال له : من صلى . . . . . . ولم يبسمل مثلا متأولا ، يلقى الله لقاء من أقام الصلاة أو لقاء من لم يصل صلاة أصلا ؟ فإن قال بالثاني فقد كفر ، وإن قال بالأول علم أن من فعل ذلك فهو مقيم الصلاة .

ويقال له : من لم يصل أصلا هل يكون وليا لله ؟ فإن قال : نعم ، كان ضالا ، وإن قال : لا ، قيل له : فهل في هؤلاء أولياء الله ؟ فإن قال : نعم ، علم أن صلاتهم صحيحة لأجل التأويل والاجتهاد .

وسر المسألة أن ما تركوه إن لم يكن واجبا في نفس الأمر فلم يتركوا واجبا ، وإن كان واجبا فقد سقط عنهم باجتهادهم الذي استفرغوا فيه وسعهم ، وبلغوا فيه إلى حد يعجزون معه عن معرفة الوجوب ، فسقط عنهم ما عجزوا عن معرفته ، كما أسقطوا بالعجز عن فعله حينئذ ، فيكونون قد فعلوا الواجب ، فتكون صلاتهم صحيحة . وقد قال الله تعالى في القرآن في الدعاء المستجاب : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة :286] ، إذ قد ثبت في الصحيح : أن الله استجاب هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . وإذا كان الله قد رفع المؤاخذة عن المخطئ لم تبطل صلاته ، كما لا يؤاخذ به . [ ص: 447 ]

وطرد هذا إن كان ناسيا بحدثه ، ثم علمه بعد الصلاة ، فإنه لا إعادة على المأمومين عند مالك والشافعي وأحمد ، كما روي عن عمر وعثمان وغيرهما . ونظير هذا سقوط الوضوء عمن عجز عنه لعدم الماء أو لضرورة ، إذا صلى بالتيمم فإنه يصح أن يأتم به المتوضئ عند الجماهير ، كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأبي يوسف ، لحديث عمرو بن العاص لما صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل ، وفعله ابن عباس أيضا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية