الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ( 109 ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ( 110 ) وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ( 111 ) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ( 112 ) ) .

يقول تعالى : ( يومئذ ) أي : يوم القيامة ( لا تنفع الشفاعة ) أي : عنده ( إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) كقوله : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقرة : 255 ] ، وقوله : ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) [ النجم : 26 ] ، وقال : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [ الأنبياء : 28 ] وقال : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) [ سبأ : 23 ] ، وقال : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] .

وفي الصحيحين ، من غير وجه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم ، وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال : " آتي تحت العرش ، وأخر لله ساجدا ، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع واشفع تشفع " . قال : " فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود " ، فذكر أربع مرات ، صلوات الله وسلامه عليه [ ص: 318 ] وعلى سائر الأنبياء .

وفي الحديث [ أيضا ] يقول تعالى : أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقول : أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان ، أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرة ، من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان " الحديث .

وقوله : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي : يحيط علما بالخلائق كلهم ، ( ولا يحيطون به علما ) كقوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ البقرة : 255 ] .

وقوله : ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) قال ابن عباس ، وغير واحد : خضعت وذلت واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت ، القيوم : الذي لا ينام ، وهو قيم على كل شيء ، يدبره ويحفظه ، فهو الكامل في نفسه ، الذي كل شيء فقير إليه ، لا قوام له إلا به .

وقوله : ( وقد خاب من حمل ظلما ) أي : يوم القيامة ، فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه ، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء .

وفي الحديث : " يقول الله تعالى : وعزتي وجلالي ، لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم " .

وفي الصحيح : " إياكم والظلم; فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " . والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو مشرك به ; فإن الله تعالى يقول : ( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ]

وقوله : ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ) لما ذكر الظالمين ووعيدهم ، ثنى بالمتقين وحكمهم ، وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون ، أي : لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد . فالظلم : الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره ، والهضم : النقص .

التالي السابق


الخدمات العلمية