الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : رجل قال لله علي صوم شهر فله أن يصومه متفرقا أما وجوب الصوم بنذره ; فلأنه عاهد الله عهدا ، والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } ، وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله { ومنهم من عاهد الله } الآية ثم ما كان من جنسه واجب شرعا صح التزامه بالنذر ، وما ليس من جنسه واجب شرعا كعيادة المريض لا يصح التزامه بالنذر إلا في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ، وهو قول أبي يوسف فكأنه اعتبر في تلك الرواية كون المنذر قربة ثم ما يلزمه بالنذر فرع لما هو واجب بإيجاب الله تعالى وما أوجب الله تعالى من الصوم مطلقا فتعيين وقت الأداء إلى العبد والخيار إليه في الأداء متفرقا أو متتابعا كقضاء رمضان فكذلك ما يوجبه على نفسه ; ولأن صوم الشهر عبادات متفرقة ; لأنه يتخلل بين الأيام وقت لا يقبل الصوم فلا يلزمه التتابع فيه إلا أن ينص عليه أو ينويه فإن المنوي إذا كان من محتملات لفظه جعل كالملفوظ .

( قال ) : فإن سمى شهرا بعينه كرجب فعليه أن يصومه ، وإن لم يصمه فعليه القضاء وكذلك إن أفطر فيه يوما فعليه قضاء ذلك اليوم بالقياس على ما وجب بإيجاب الله تعالى من الصوم في وقت بعينه ، وهو صوم رمضان ، ويستوي إن كان قال : متتابعا ، أو لم يقل ; لأن الصفة في العين غير معتبرة وأيام شهر بعينه متجاوزة لا متتابعة فلا يلزمه صفة التتابع فيه ، وإن نص عليه ، أو نواه بخلاف ما إذا سمى شهرا بغير عينه ; لأن الوصف في غير المعين معتبر ثم في العين إذا لم يصمه حتى وجب عليه القضاء فله أن يفرق القضاء ; لأن القضاء معتبر بالأداء كما في صوم رمضان .

( قال ) : وإن كان أراد يمينا فعليه كفارة اليمين سواء أفطر في جميع الشهر ، أو في يوم منه ; لأن المنوي من محتملات [ ص: 95 ] لفظه فإن الحالف يعاهد الله تعالى كالناذر ثم شرط حنثه أن لا يصوم جميع الشهر فسواء أفطر فيه يوما ، أو أكثر فقد وجد شرط الحنث والحاصل أنه إذا لم ينو شيئا كان كلامه نذرا باعتبار الظاهر والعادة ، وإن نوى اليمين كان يمينا نذرا بظاهره ، وإن نواهما جميعا كان نذرا ويمينا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة ولكنه إن نوى اليمين فهو يمين تلزمه الكفارة بالحنث دون القضاء ، وإن نواهما كان نذرا ولم يكن يمينا وجه قوله أن حكم النذر يخالف حكم اليمين فلا يجتمعان في كلام واحد كقوله لامرأته أنت علي حرام إن نوى به الطلاق كان طلاقا ، وإن نوى به اليمين كان يمينا ولا يجتمعان ، وإن نواهما وليس هذا نظير قول أبي يوسف رحمه الله تعالى في اجتماع معنى الحقيقة والمجاز في كلام واحد في بعض مسائل الأيمان ; لأن حكم المجاز هناك غير مخالف لحكم الحقيقة فكان بمنزلة لفظ العموم وجه قولهما أن في لفظه كلمتين إحداهما يمين ، وهو قوله لله فإن معناه بالله قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج ، وهذا ; لأن اللام والباء يتعاقبان قال الله تعالى : { آمنتم له } وفي موضع آخر به وقوله علي نذر إلا أن عند الإطلاق غلب عليه معنى النذر باعتبار العادة فحمل عليه فإذا نواهما فقد نوى بكل لفظ ما هو من محتملاته فيعمل بنيته وليس هذا نظير ما يقال أن على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تجتمع الحقيقة والمجاز في لفظ واحد ; لأن الحقيقة استعمال اللفظ في موضعه والمجاز استعماله في غير موضعه وإنما ذلك في كلمة واحدة لا في كلمتين

التالي السابق


الخدمات العلمية