الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما كيفية الاسترجاع ، فلا يخلو حال ما تعجله للفقير من أحد أمرين : إما أن يكون موجودا أو معدوما ، فإن كان معدوما قال الشافعي : يعود بمثله ، فأطلق هذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يستحق الرجوع في حق أهل السهمان ، فيستحق الرجوع بمثله من الحيوان ؛ لأن الرجوع مستحق بما ينصرف في الزكاة ، والزكاة لا تنصرف فيها إلا غير الحيوان دون قيمته ، فلم يجز الرجوع إلا بالحيوان دون قيمته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يستحق الرجوع في حق رب المال ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما يعود بمثله حيوانا ، وهو ظاهر نصه ؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة الرفق والمواساة ، فجرى مجرى فرض الحيوان الذي يرجع فيه بالمثل لا بالقيمة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أقيس ، يرجع بقيمته كسائر المتلفات ، وحملوا قول الشافعي يعود بمثله على ما له مثل ، فإذا وجبت القيمة على هذا الوجه ففي اعتبار زمان القيمة وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 169 ] أصحهما : وقت الدفع والتعجيل لأنه بالدفع ملك .

                                                                                                                                            والثاني : وقت التلف ، لأنه لو كان موجودا بعد الدفع لرجع به ، فإذا كان تالفا رجع بقيمته ، وإن كان ما تعجله الفقير موجودا بعد موته ، لم يخل حاله من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يكون زائدا أو ناقصا أو بحاله لم يزد ولم ينقص ، فإن كان بحاله استرجع منه ، فإن رأى الوالي أن يرده على وارثه وهو من أهل السهمان جاز وإن كان زائدا فالزيادة ضربان : متميزة وغير متميزة ، فإن كانت غير متميزة كالسمن والكبر ، فإنه يرجع به وزيادته ؛ لأن الزيادة تميزت بمنع العين ، وإن كانت الزيادة متميزة كاللبن والنتاج ، رجع به دون زيادته ، وتكون الزيادة لوارثه ؛ لأن الفقير قد ملك العين بالدفع ، فكانت الزيادة حادثة عن ملكه ، فكان أملك بها من غيره ، كالمبيع إذا رد بعيب ، وإن كان ناقصا فالنقصان ضربان : متميز وغير متميز ، فإن كان غير متميز كالمرض والهزال ، رجع به ناقصا ، ولم يستحق أرش نقصانه ، لأنه تطوع بتعجيله ، فإن رأى الوالي أن يرده على وارثه لم يجز لنقصه ، إلا أن يكون بعد النقص على وصف مال الدافع ، وإن كان النقص متميزا كبعيرين تلف أحدهما وبقي الآخر ، رجع بالباقي وبمثل التالف في أحد الوجهين ، وبقيمته في الوجه الثاني ، وفي اعتبار قيمة زمانه وجهان على ما مضى . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية