الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون

كان موسى عليه السلام قد امتحن بمخاوف فطلب شد العضد بأخيه هارون ; لأنه كان فصيح اللسان سمح الخلق. وقرأ الجمهور : "ردءا" بالهمز، وقرأ نافع وحده: "ردا" بتنوين الدال دون همز، وهي قراءة أبي جعفر ، وذلك على التخفيف من "ردء"، والردء: الوزير المعين والذي يسند إليه في الأمر، وذهبت فرقة إلى أنها من معنى الزيادة، كما قال الشاعر :


وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر



[ ص: 593 ] وهذا على ترك الهمز، وأن يكون وزنه فعلا.

وقرأ جمهور القراء: "يصدقني" بالجزم، وذلك على جواب "أرسله"، وقرأ عاصم وحده: "يصدقني"، أي: مصدقا، فهو صفة للردء، أو حال.

و "شد العضد" استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين من "عضدك"، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد. و "السلطان": الحجة. وقوله: "بآياتنا" يحتمل أن تتعلق الباء بقوله: ونجعل لكما ، أو بـ "يصلون" وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله: "الغالبون"، أي: تغلبون بآياتنا، و "الآيات" ها هنا معجزاته عليه السلام .

ولما كذبوه ورموه بالسحر قارب موسى عليه السلام في احتجاجه، وراعه تكذيبهم، فرد الأمر إلى الله، وعول على ما يظهره الله تعالى في شأنهم، وتوعدهم بنقمة الله تعالى منهم. وقرأ ابن كثير : "قال موسى" بغير واو، وقرأ غيره وجميع السبعة: "وقال موسى" بواو، وقرأ الجمهور : "تكون له" بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي : "يكون" بالياء على التذكير; إذ هي بمنزلة العاقب.

واستمر فرعون على طريق مخرقته على قومه، وأمر هامان بأن يطبخ له الآجر، وأن يبني له صرحا، أي سطحا في أعلى الهواء، وليس الصرح إلا ما له سطح، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبراني، وترجى بزعمه أن يطلع في السماء، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن، ثم صعد فيه، ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة، فقال فرعون حينئذ: إني قتلت إله موسى . ثم قال: وإني لأظنه من الكاذبين يريد في أن موسى أرسله راسله، فالظن على بابه، وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة المصمم على التكذيب.

وقرأ حمزة ، والكسائي ، ونافع : "لا يرجعون"، وقرأ الباقون والحسن : "لا يرجعون" بضم الياء وفتح الجيم.

التالي السابق


الخدمات العلمية