الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 14 ) - باب المبعث وبدء الوحي

هذا من باب ما قاله أرباب الهداية : من أن النهاية هي الرجوع إلى البداية ، فنقول : الباب أصله البوب قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ويجمع على أبواب ، وقد قالوا : أبوبة ذكره العيني ، والمراد هنا نوع من الكلام المشتمل عليه جنس الكتاب المجموع لأفراد الأنواع ، كما بينته في تعليقي لأول باب كتاب البخاري في بيان الإعراب بدون الإغراب ، ثم المبعث مصدر ميمي بمعنى البعث من بعث إذا أرسل ، ذكره ابن الملك فالمراد به أنه مصدر ميمي ، والأظهر أن المقصود به معرفة زمان البعث ومكانه ، كما نبه عليه أول الحديث من الفصل الأول ، ثم البدء بموحدة مفتوحة فدال ساكنة فهمز بمعنى الابتداء ، قيل : ويروى بدو كظهور وزنا ومعنى ، وهل الأحسن الأول لأنه يجمع المعنيين ، أو الثاني لأنه أعم ؟ رأيان . قلت : إنما محله قول البخاري : كيف كان بدء الوحي ؛ فإنه يحتمل الاحتمالين ، كما أوضحناه في محله ، وأما ما نحن فيه فلا يساعد الرسم الثاني ، فإنه يكتب بالياء هنا بخلاف ما في الصحيح ، فإنه يكتب فيه بالواو فتأمل ولا تمل .

ويؤيده ما قلنا أيضا أنه قال العسقلاني في فتح الباري ، قال عياض : روي البدء بالهمز وسكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور . قلت : ولم أره مضبوطا في شيء من الروايات التي اتصلت بنا إلا أنه وقع في بعضها : كيف كان ابتداء الوحي ؛ فهذا يرجح الأول وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ ، وقد استعمل المصنف - يعني البخاري - هذه العبارة كثيرا ، كبدء الحيض ، وبدء الأذان ، وبدء الخلق ، والوحي لغة الإعلام في خفاء ، وقيل : أصله التفهيم ، ومنه قوله تعالى : وأوحى ربك إلى النحل وشرعا هو الإعلام .

[ ص: 3726 ] بالشرع ، وقد يطلق ويراد به اسم المفعول أي : الموحى ، وهو كلام الله المفعول على نبي من أنبيائه . وقال شارح : البعث مصدر بمعنى الإرسال ، والبدء الابتداء ، والوحي هنا الرسالة ، ولعل اختياره كغيره معنى المصدر في المبعث لاشتماله على الزمان والمكان أيضا ، مع الدلالة على كيفية أصل الفعل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية