الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                541 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذه أقوال أصحاب رسول الله - عليه السلام - فقد اتفقت على ما ذكرنا من التوقيت في المسح على الخفين للمسافر والمقيم، فلا ينبغي لأحد أن يخالف ذلك، وهذا الذي ذكرناه أيضا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذه الأقوال إلى ما روي عن علي ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك، ورجل من أصحاب رسول الله - عليه السلام -.

                                                وقد روي عن غيرهم أيضا من الصحابة والتابعين، فمن ذلك:

                                                ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : نا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن سماك، قال: سمعت جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "ما أبالي لو لم أنزع خفي ثلاثا".

                                                [ ص: 181 ] وقال : نا عائذ بن حبيب ، عن طلحة بن يحيى ، عن أبان بن عثمان، قال: "سألت سعد بن أبي وقاص عن المسح على الخفين، فقال: نعم، ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم".

                                                نا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة، قال: قال سعيد بن المسيب: "إذا أدخلت رجليك في الخف وهما طاهرتان وأنت مقيم كفاك إلى مثلها من الغد، وللمسافر ثلاث ليال".

                                                نا يعلى ، عن موسى الجهني ، عن عمرو الجمال الأسود، قال: سألت عنه سالما فقال: "للمسافر ثلاثة أيام وثلاث ليال، وللمقيم يوم وليلة".

                                                عبد الرزاق في "مصنفه" : عن ابن جريج، قال: أخبرني أبان بن صالح، أن عمير بن شريح أخبره، أن شريحا كان يقول: "للمقيم يوم إلى الليل، وللمسافر إلى ثلاث ليال".

                                                ثم اعلم أنه قد وردت في المسح على الخفين عدة أحاديث تبلغ التواتر على رأي كثير من العلماء.

                                                قال الميموني عن أحمد: فيها سبعة وثلاثون صحابيا.

                                                وفي رواية الحسن بن محمد عنه: أربعون.

                                                وكذا قاله البزار في "مسنده"، وقال ابن أبي حاتم: أحد وأربعون صحابيا.

                                                وفي "الأشراف": عن الحسن: حدثني به سبعون صحابيا.

                                                وقال: ابن عبد البر: مسح على الخفين سائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار ، وسائر الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين وعامة أهل العلم

                                                [ ص: 182 ] والأثر . (ولا ينكره إلا مخذول مبتدع خارج عن جماعة المسلمين) .

                                                وقال صاحب "البدائع": المسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة إلا شيئا روي عن ابن عباس أنه لا يجوز، وهو قول "الرافضة" ثم قال: روي عن الحسن البصري أنه قال: "أدركت سبعين بدريا من الصحابة كلهم يرون المسح على الخفين". ولهذا رآها أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة [1\ق139-أ] . فقال فيها: أن نفضل الشيخين، ونحب الختنين، ونرى المسح على الخفين، وألا نحرم نبيذ الجر -يعني المثلث .

                                                وروي عنه أنه قال: ما قلت بالمسح حتى جاءني في مثل ضوء النهار فكان الجحود ردا على كبار الصحابة ونسبته إياهم إلى الخطأ فكان بدعة؛ ولهذا قال الكرخي: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين.

                                                والأمة لم تختلف أن رسول الله - عليه السلام - مسح، وإنما اختلفوا أنه مسح قبل نزول المائدة أو بعدها.

                                                وروي عن عائشة والبراء بن عازب: "أن النبي - عليه السلام - مسح بعد المائدة"، وروي عن جرير بن عبد الله البجلي: "أنه توضأ ومسح على الخفين، فقيل له في ذلك، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الخفين. فقيل له: أكان ذلك بعد نزول المائدة؟ فقال: هل أسلمت إلا بعد نزولها؟! وما رأيت رسول الله - عليه السلام - مسح إلا بعد ما نزلت"، ذكره ابن خزيمة في "صحيحه" .

                                                [ ص: 183 ] وعند "الطبراني" : "أنه كان مع النبي - عليه السلام - في حجة الوداع فمسح على خفيه"، وفي لفظ: "يوم نزول المائدة فرأيته يمسح" .

                                                وعند "الدارقطني" : "قدمت على النبي - عليه السلام - بعد نزول المائدة، فرأيته يمسح".

                                                وعند أبي علي الطوسي مصححا: "مسح على خفيه -أو قال-: جوربيه"، قال عيسى بن يونس: أنا أشك.

                                                وفي حديث أنس (من) عند الطبراني في "الأوسط" بسند جيد: "وضأت النبي - عليه السلام - قبل موته بشهر فمسح على الخفين والعمامة". وقال لم يروه عن سليمان التيمي عنه إلا علي بن الفضل بن عبد العزيز .

                                                وعند "الميموني": "خدمت النبي - عليه السلام - تسع سنين وهو يفعل ذلك".

                                                وعند الطبراني : من حديث البراء وأبي أمامة: "لم يزل رسول الله - عليه السلام - يمسح قبل نزول المائدة وبعده حتى قبضه الله تعالى".

                                                وعن عائشة: "ما زال رسول الله - عليه السلام - يمسح منذ أنزلت عليه سورة المائدة حتى لحق بالله" .

                                                وقال البيهقي : وإنما نقلنا كراهة ذلك عن علي وابن عباس وعائشة.

                                                فأما الرواية عن علي: سبق الكتاب المسح على الخفين". فلم يرو ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله.

                                                [ ص: 184 ] وأما عائشة فثبت عنها أنها أحالت بعلم ذلك على علي - رضي الله عنه -.

                                                وأما ابن عباس فإنما كرهه حين لم يثبت عنده مسح النبي - عليه السلام - بعد نزول المائدة، فلما ثبت له رجع إليه.

                                                وقال الجوزقاني في كتاب "الموضوعات": إنكار عائشة غير ثابت عنها.

                                                وقال الكاساني :

                                                وأما الرواية عن ابن عباس فلم تصح؛ لأن مداره على عكرمة .

                                                وروي أنه لما بلغ ذلك عطاء قال: كذب عكرمة. وروي عن عطاء أنه قال: "كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين، فلم يمت حتى تابعهم".

                                                وفي "المغني" لابن قدامة: قال أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله - عليه السلام - ما رفعوا إلى رسول الله - عليه السلام - وما أوقفوا.

                                                وروي عنه أنه قال: المسح أفضل، يعني من الغسل؛ لأن النبي - عليه السلام - وأصحابه إنما طلبوا الفضل، وهذا مذهب الشعبي ، والحكم ، وإسحاق. انتهى.

                                                وفي "الهداية" : الأخبار فيه مستفيضة حتى قيل: إن من لم يره كان مبتدعا، لكن من رآه ثم لم يمسح أخذ بالعزيمة وكان مأجورا.

                                                وحكى القرطبي مثل هذا عن مالك أنه قاله عند موته، وعن مالك فيه أقوال:

                                                أحدها: أنه لا يجوز المسح أصلا.

                                                الثاني: أنه يجوز بكرة.

                                                الثالث: وهو الأشهر: يجوز أبدا بغير توقيت.

                                                [ ص: 185 ] الرابع: يجوز بتوقيت.

                                                الخامس: يجوز للمسافر دون الحاضر.

                                                السادس: عكسه.

                                                وقال إسحاق والحكم وحماد: المسح أفضل من غسل الرجلين، وهو قول الشعبي وإحدى الروايتين عن أحمد .

                                                وقال ابن المنذر: هما سواء، وهي رواية عن أحمد .

                                                وقال أصحاب الشافعي: الغسل أفضل من المسح بشرط ألا يترك المسح رغبة عن السنة ولا شك في جوازه.

                                                وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكا، والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك انتهى.

                                                قلت: فيه نظر؛ لما في "مصنف ابن أبي شيبة" من أن مجاهدا وسعيد بن جبير وعكرمة كرهوه، وكذا حكاه أبو الحسين عن محمد بن علي بن الحسن وأبي إسحاق السبيعي وقيس بن الربيع .

                                                وحكاه القاضي أبو الطيب عن أبي بكر بن أبي داود والخوارج والروافض .

                                                ثم اعلم أنا نشير [1\ق139-ب] إلى جماعة من الصحابة الذين رووا المسح على الخفين بإشارة لطيفة وهم سبعة وستون صحابيا.

                                                فحديث علي - رضي الله عنه - عند مسلم .

                                                وحديث عمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة بسند حسن.

                                                [ ص: 186 ] وحديث أنس بن مالك عند "النسائي" بسند صحيح.

                                                وحديث جابر بن عبد الله عند الطبراني في "الأوسط" بسند جيد.

                                                وحديث عبادة بن الصامت وأبي أمامة عند عبد الله بن وهب في "مسنده" بسند ضعيف.

                                                وحديث أسامة بن شريك عند القاضي ابن طاهر الذهلي بسند لا بأس به .

                                                وحديث سلمان عند ابن حبان في "صحيحه" ، وحديث جرير عند الجماعة.

                                                وحديث أبي أيوب الأنصاري عند أبي بكر بن زياد النيسابوري في كتاب "الأبواب" بسند صحيح .

                                                وحديث سعيد بن أبي مريم عن رجل له صحبة عند البخاري : وأعله.

                                                وحديث أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن الحارث بن جزء عند البيهقي .

                                                [ ص: 187 ] وحديث أبي مسعود الأنصاري وبديل بن ورقاء عند العسكري في كتاب "الصحابة".

                                                وحديث عثمان بن عفان ، وأبي عبيدة بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي الدرداء ، وزيد بن ثابت ، وفضالة بن عبيد، عند أبي عمر ابن عبد البر بأسانيد حسان.

                                                وحديث الزبير بن العوام عند الطبراني في "الأوسط" .

                                                وحديث خالد بن سعيد بن العاص عند النيسابوري في "الأبواب".

                                                وحديث عبد الله بن رواحة وأسامة بن زيد عند ابن قانع بسند لا بأس به.

                                                وحديث أسامة عن بلال عند ابن خزيمة في "صحيحه" .

                                                وحديث عوف بن مالك عند الترمذي محسنا في كتاب "العلل" .

                                                وحديث أبي برزة الأسلمي عند النيسابوري في "الأبواب" .

                                                وحديث ابن عباس عند النسائي : من طريق جيد، قال الميموني عن أحمد: ليس بصحيح.

                                                [ ص: 188 ] وحديث أبي عوسجة مسلم عند البزار وأعله .

                                                وحديث أبي هريرة عند مسلم في كتاب "التمييز" .

                                                وحسنه ابن عبد البر .

                                                وحديث شبيب بن غالب الكندي عند أبي نعيم في "معرفة الصحابة" .

                                                وحديث ابن أبي العشراء الدارمي عند ابن عسكر في ترجمة علي بن أحمد .

                                                وحديث خزيمة بن ثابت عند ابن حبان في "صحيحه" .

                                                وحديث أبي بكرة نفيع بن الحارث عند ابن حبان أيضا .

                                                وحديث صفوان بن عسال عنده أيضا .

                                                وحديث يعلى بن مرة في "الأبواب" .

                                                وحديث البراء بن عازب عند الطبراني .

                                                وحديث أبي مريم عند أبي نعيم في كتاب "الصحابة" .

                                                [ ص: 189 ] وحديث مالك بن سعد عنده أيضا .

                                                وحديث يسار جد عبد الله بن مسلم عند ابن أبي حاتم وأعله .

                                                وحديث عبد الله بن مسعود عند البزار بسند ضعيف وابن أبي شيبة موقوفا بسند صحيح.

                                                وحديث أبي زيد رجل من الصحابة عند أبي مسلم الكجي في "السير الكبير".

                                                وحديث جابر بن سمرة عند البيهقي مرفوعا، وابن أبي شيبة موقوفا.

                                                وحديث أبي بن عمارة عند الحكم وصححه وأعله جماعة.

                                                وحديث عقبة بن عامر عند صاحب الأبواب واستغربه .

                                                وحديث سهل بن سعد عند القاضي أبي أحمد بسند جيد .

                                                وحديث بريدة عند الترمذي محسنا.

                                                وحديث ميمونة زوج النبي - عليه السلام - عند الدارقطني بسند صحيح.

                                                [ ص: 190 ] وحديث ثوبان مولى رسول الله - عليه السلام - عند الحاكم وصححه.

                                                وحديث أبي ذر وكعب بن عجرة عند ابن حزم وصححهما.

                                                وحديث أبي طلحة عند الطبراني في الصغير .

                                                وحديث سعد بن أبي وقاص عند ابن الجهم في كتابه .

                                                وحديث المغيرة بن شعبة عند مسلم .

                                                وحديث أبي سعيد الخدري عند البيهقي .

                                                وحديث أوس الثقفي عند ابن أبي شيبة في "مسنده" .

                                                وحديث ربيعة بن كعب عند الطبراني .

                                                وحديث خالد بن عرفطة عند بحشل في كتابه "تاريخ واسط" .

                                                وحديث عبد الرحمن بن بلال عند الطبراني .

                                                وحديث عمرو بن حزم عند الطبراني أيضا .

                                                وحديث عائشة في "الأبواب" بسند صحيح، وعند الدارقطني بسند جيد.

                                                وحديث أم سعد بنت زيد بن ثابت عند النيسابوري .




                                                الخدمات العلمية