الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لو أن أحدا عندي ذهبا لأحببت ألا يأتي علي ثلاث وعندي منه دينار أجد من يقبله مني ليس شيئا أرصده في دين عليلم يقل مسلم أجد من يقبله .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني) وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده لو أن أحدا عندي ذهبا لأحببت أن لا يأتي عليه ثلاث وعندي منه دينار أجد من يقبله مني ليس شيء أرصده في دين علي (فيه) فوائد .

                                                            (الأولى) أخرجه البخاري في التمني في صحيحه من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق وفي الاستقراض والرقاق من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواه مسلم في الزكاة من صحيحه من طريق محمد بن زياد كلاهما عن أبي هريرة بمعناه وليس في الروايتين الأخيرتين قوله أجد من يقبله مني .

                                                            (الثانية) في قوله عليه الصلاة والسلام والذي نفس محمد بيده جواز الحلف بغير تحليف قال النووي بل هو مستحب إذا كان مصلحة كتوكيد أمر مهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه ؛ قال ، وقد كثرت الأحاديث [ ص: 30 ] الصحيحة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النوع لهذا المعنى انتهى .

                                                            (الثالثة) في قوله (نفس محمد ) تعبير الإنسان عن نفسه باسمه دون ضميره كقوله في غير هذا الحديث نفسي وفي الحلف بهذه اليمين زيادة تأكيد ؛ لأن الإنسان إذا استحضر أن نفسه التي هي أعز الأشياء عليه بيد الله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء غلب عليه الخوف فارتدع عن الحلف على ما لا يتحققه فكان في الحلف بهذا زيادة تأكيد على الحلف بغيره .

                                                            (الرابعة) قوله بيده من أحاديث الصفات التي فيها مذهبان مشهوران :

                                                            (أحدهما) تأويل اليد بالقدرة (ثانيهما) إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه والكف عن تفسير الصفة المذكورة .

                                                            (الخامسة) قوله لو أن أحدا عندي يحتمل أن تقديره مثل أحد ففيه مضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ويحتمل أن يكون المراد انقلاب أحد نفسه وصيرورته ذهبا ويدل للاحتمال الأول قوله في رواية البخاري من طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعا لو كان لي مثل أحد الحديث ، ويدل للاحتمال الثاني قوله في حديث أبي ذر في الصحيح فلما أبصر يعني أحدا قال ما أحب أن تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار الحديث .



                                                            (السادسة) فيه الحث على الصدقة والإنفاق في القربات وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أعلى درجات الزهد يحب أن لا يبقى عنده من جبل ذهب بعد ثلاث شيء وإنما قيد ذلك بالثلاث ؛ لأنه لا يتأتى تفريق جبل الذهب في أقل من ثلاث ، ولو استغرق في ذلك أوقاته واستعان عليه بكل أحد .



                                                            (السابعة) فيه أن الإنفاق إنما يكون عند وجود القابلين له فأما مع فقدهم فلا يتأتى الإنفاق ؛ لأن الآخذ أحد ركنيه ولا يمكن الإكراه عليه واستدلال المصنف رحمه الله به على أنه إذا لم يجد من يقبل صدقته فلا حرج عليه استدلال واضح ، فإنه عليه الصلاة والسلام شرط في استحبابه إنفاق جبل الذهب في ثلاث وجود القابل له فدل على أنه إذا لم يجد قابلا أخره إلى وجود القابل له وأنه لا حرج في ذلك ولم يفرق فيه بين الصدقة الواجبة وغيرها وهو واضح من حيث المعنى أيضا ؛ لأن الوجوب مع الإمكان وهو مفقود مع فقد القابل والله تعالى أعلم .



                                                            (الثامنة) قوله ليس شيء أرصده في دين علي أي ليس الباقي شيئا [ ص: 31 ] وفيه دليل على تقديم وفاء الدين على الصدقة ثم يحتمل أن يكون المراد إرصاده لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذ دينه ، ويحتمل أن يكون المراد إرصاده لوفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفيه .



                                                            (التاسعة) وفيه جواز الاستقراض والاستدانة وقيد ابن بطال ذلك باليسير للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إرصاده دينارا لدينه قال ، ولو كان عليه مائة دينار أو أكثر لم يرصد لأدائها دينارا ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان أحسن الناس قضاء ، قال فبان بهذا الحديث أنه ينبغي للمؤمن أن لا يستغرق في كثرة الدين خشية الاهتمام به والعجز عن أدائه ، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ضلع الدين واستعاذ من المأثم والمغرم وقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ، انتهى .

                                                            وما فهمه من أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد إرصاد دينار واحد ليس في الحديث ما يدل عليه ، ولو أطلق الدينار هنا فلا يراد به التوحيد وإنما يراد به الجنس والمراد أنه يرصد لما عليه من الدين ما يفي به قليلا كان أو كثيرا .



                                                            (العاشرة) هذا الحديث أصل في أداء الأمانات ووفاء الديون .

                                                            (الحادية عشرة) فيه استعمال التمني في الخير وأن النهي عن ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا لو فإن لو تفتح عمل الشيطان إنما هو في أمور الدنيا فأما تمني الخير فمحبوب مأجور عليه والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية