الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1131 - مسألة : ولغو اليمين لا كفارة فيه ، ولا إثم ، وهو وجهان - :

                                                                                                                                                                                          أحدهما : ما حلف عليه المرء - وهو لا يشك في أنه كما حلف عليه - ثم تبين له أنه بخلاف ذلك - وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          والثاني : ما جرى به لسان المرء في خلال كلامه بغير نية فيقول في أثناء كلامه : لا والله ، وأي والله - وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          قال الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } .

                                                                                                                                                                                          وصح من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : ربما قال ابن عمر لبعض بنيه : لقد حفظت عليك في هذا المجلس أحد عشر يمينا ، ولا يأمره بكفارة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا عطاء أنه سمع عائشة أم المؤمنين وقد سألها عبيد بن عمير عن قول الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قالت : هو قول الرجل لا والله ، وبلى والله .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت في اللغو : هو قول القوم يتدارءون في الأمر يقول هذا : لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله ، ولا تعقد عليه قلوبهم .

                                                                                                                                                                                          وهو قول القاسم بن محمد ، وعطاء ، وإبراهيم ، والشعبي ، وعكرمة ، ومجاهد ، وطاوس ، والحسن ، والزهري ، وأبي قلابة ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن عباس - ولا يصح عنه ; لأنه من طريق الكلبي - : لغو اليمين هو قول الرجل هذا والله فلان ، وليس بفلان .

                                                                                                                                                                                          وهو أيضا قول الحسن ، وإبراهيم ، والشعبي ، ومجاهد ، وقتادة ، وزرارة بن أوفى [ ص: 287 ] وسليمان بن يسار ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول المرء : لا والله ، وأي والله بغير نية ، فأمره ظاهر لا إشكال فيه ; لأنه نص القرآن ، كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                          وأما من أقسم على شيء وهو يرى ، ولا يشك في أنه كما حلف عليه ، فإنه لم يعمد الحنث ، ولا قصد له ، ولا حنث إلا على من قصد إليه إلا أن هذا مما تناقض فيه الحنفيون ، والمالكيون ، فأسقطوا الكفارة ههنا ، وأوجبوها على فعل ما حلف عليه ناسيا أو مكرها ، ولا فرق بين شيء من ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          والعجب أيضا - أنهم رأوا اللغو في اليمين بالله تعالى ، ولم يروه في اليمين بغيره تعالى ، كالمشي إلى مكة ، والطلاق ، والعتق ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقد جاء أثر بقولنا : رويناه من طريق أبي داود السجستاني نا حميد بن مسعدة نا حسان هو ابن إبراهيم - نا إبراهيم هو الصائغ - عن عطاء بن أبي رباح قال : { اللغو في اليمين قالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو كلام الرجل في بيته : كلا والله ، وبلى والله } وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية