الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5856 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي - زعم ليطأ على رقبته - فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، فقيل له ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ) . رواه مسلم .

التالي السابق


5856 - ( وعن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه ) : بتشديد الفاء المكسورة من التعفير وهو التفريغ ( في التراب ) أي : هل يصلي ويسجد على التراب ( بين أظهركم ) ؟ فيما بينكم على أن الأظهر مقحمة للإشارة إلى وقوعه على وجه الظهور ، أو الاستناد إلى ظهر أحد وحمايته ورعايته . قال الطيبي : يريد به سجوده على التراب ، وإنما أوثر التعفير على السجود تعنتا وعنادا وإذلالا وتحقيرا . ( فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن ) أي : لأدوسن ( على رقبته ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) أي : فجاءه أبو جهل ( وهو يصلي ) : حال من المفعول ، والحال من الفاعل قوله : ( وزعم ) : بفتح العين أو قصد أبو جهل ( ليطأ ) أي : ليضع ( رجله على رقبته ) : قال ابن الملك : وفي نسخة بفتح اللام على أنه لام تأكيد . قلت : فالفعل مرفوع حينئذ ، وفي نسخة زعم بكسر العين ، ففي القاموس : زعم كفرح طمع قال الطيبي : زعم وقع حالا من الفاعل بعد الحال من المفعول ، وزعم بمعنى طمع وأراد . قال في أساس البلاغة : ومن المجاز زعم فلان في غير مزعم طمع في غير مطمع ، لأن الطامع زاعم ما لم يستيقن ، ( فما فجئهم ) : بكسر الجيم ويفتح ، ففي القاموس : فجئه كسمع ومنع هجم عليه ، وأتاه بغتة أي : فما أتى قومه فجاءة ( منه ) أي : من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من إتيانه إليه ( إلا وهو ) أي : والحال أنه أي : أبو جهل ( ينكص ) : بكسر الكاف ويضم أي : يرجع ( على عقبيه ) ، أي : قهقرى ( ويتقي بيديه ) أي : يحذر بهما ويدفع شيئا بسببهما . قال الطيبي : المستثنى فاعل فجئ أي : فما فجئ أصحاب أبي جهل من أمر أبي جهل إلا نكوص عقبيه ، وقد سد الحال هنا مسد الفاعل ، وفيه إرخاء عنان الكلام لا للفظ . قيل : كما سدت مسد الخبر في : ضربي زيدا قائما ، ففي الكلام ميل إلى المعنى دون اللفظ ، ويجوز أن يكون الضمير في فجئ راجعا إلى أبي جهل ، وفي منه إلى الأمر أي : فما فجئ أبو جهل أصحابه كائنا من الأمر على حال من الأحوال إلا هذه الحال ، هذا وفي القاموس : نكص على عقبيه نكوصا رجع عما كان عليه من خير خاص بالرجوع عن الخير ، ووهم الجوهري في إطلاقه أو في الشر نادر . قلت : الحديث يدل على استعماله في الشر ، وكذا آية فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ثم صنيع القاموس يشعر أنه بضم الكاف في المضارع ، لكن اتفق القراء على كسره ، حتى لم يوجد في الشواذ أيضا . نعم قال الزجاج : يجوز ضم الكاف ذكره الكرماني في قوله تعالى : على أعقابكم تنكصون .

( فقيل له ) أي : لأبي جهل ( ما لك ) ؟ أي : ما حصل لك من المنع ، وما وقع لك من الدفع ، ( فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا ) ، بفتح فسكون أي : خوفا وأمرا شديدا ( وأجنحة ) . جمع جناح الطائر الملائكة الذين يحفظونه ، ويؤيده ما ذكره الراوي ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لو دنا مني ) أي : قرب عندي ( لاختطفته الملائكة ) أي : استلبته بسرعة ( عضوا عضوا ) . والمعنى لأخذ كل ملك عضوا من أعضائه . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية