الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( واختلف في الخطيب المقرر من جهة الإمام الأعظم أو ) من جهة ( نائبه هل يملك الاستنابة في الخطبة ؟ فقيل لا مطلقا ) أي لضرورة أو لا إلا أن يفوض إليه ذلك ( وقيل إن لضرورة جاز ) وإلا لا ( وقيل نعم ) يجوز ( مطلقا ) بلا ضرورة لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا بالاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء ( وهو الظاهر ) من عباراتهم . ففي البدائع : كل من ملك الجمعة ملك إقامة غيره وفي النجعة في تعداد الجمعة لابن جرباش إنما يشترط الإذن [ ص: 141 ] لإقامتها عند بناء المسجد ، ثم لا يشترط بعد ذلك بل الإذن مستصحب لكل خطيب وتمامه في البحر وما قيده الزيلعي لا دليل له ، وما ذكره منلا خسرو وغيره رده ابن الكمال في رسالته خاصة برهن فيها على الجواز بلا شرط وأطنب فيها وأبدع ولكثير من الفوائد أودع . [ ص: 142 ] وفي مجمع الأنهر : أنه جائز مطلقا في زماننا لأنه وقع في تاريخ خمس وأربعين وتسعمائة إذن عام وعليه الفتوى .

التالي السابق


( قوله واختلف إلخ ) ليس ذلك اختلافا بين مشايخ المذهب من أهل التخريج أو الترجيح بل هو اختلاف بين المتأخرين في فهم عبارات مشايخ المذهب . مطلب في جواز استنابة الخطيب

( قوله هل يملك الاستنابة ) أي بلا إذن من السلطان أما بالإذن فلا خلاف فيه ( قوله فقيل لا مطلقا ) قائله صاحب الدرر حيث قال إن الاستخلاف لا يجوز للخطبة أصلا ولا للصلاة ابتداء بل بعدما أحدث الإمام إلا إذا كان مأذونا من السلطان بالاستخلاف . ا هـ . ( قوله وقيل لضرورة جاز إلخ ) قائله ابن كمال باشا حيث قال إن كان ذلك لضرورة كشغله عن إقامة الجمعة في وقتها جاز التفويض إلى غيره وإلا لا أي وإن لم يكن ذلك لضرورة أصلا أو كان لعذر لكن يمكن إزالة عذره وإقامة الجمعة بعده قبل خروج الوقت لا يجوز التفويض إلى خطيب آخر ثم قال : وإقامة الجمعة عبارة عن أمرين الخطبة والصلاة ، والموقوف على الإذن هو الأول دون الثاني ، فالمراد من الاستخلاف لإقامة الجمعة الاستخلاف للخطبة لا للصلاة كما توهمه البعض ا هـ منح ملخصا ( قوله وقيل نعم إلخ ) قائله قاضي القضاة محب الدين ابن جرباش منح وبه قال شارح المنية البرهان إبراهيم الحلبي وكذا صاحب البحر والنهر والشرنبلالي والمصنف والشارح .

( قوله بلا ضرورة ) الأولى أن يقول : ولو بلا ضرورة ليتضح معنى الإطلاق ط . قال في الإمداد بعد كلام : وإذا علمت جواز الاستخلاف للخطبة والصلاة مطلقا بعذر وبغير عذر حال الحضرة والغيبة وجواز الاستخلاف للصلاة دون الخطبة وعكسه فاعلم أنه إذا استناب لمرض ونحوه فالنائب يخطب ويصلي بهم ، والأمر فيه ظاهر . وأما إذا استخلف للصلاة فقط لسبق حدث ، فإما أن يكون بعد شروعه فيها أو قبله فإن كان بعده فكل من صلح للاقتداء به يصح استخلافه ، وأما إذا كان قبله بعد الخطبة فيشترط كون الخليفة قد شهد الخطبة أو بعضها مع أهليته للاقتداء به . ا هـ . ( قوله لأنه إلخ ) هذه عبارة الهداية في كتاب أدب القاضي أي لأن أداء الجمعة على شرف الفوات لتوقته بوقت يفوت الأداء بانقضائه درر عن شرح الهداية أي فيكون ذلك إذنا بالاستخلاف دلالة لعلمه بما يعتري المأمور من العوارض المانعة من إقامتها كمرض وحدث كما في البدائع ( قوله ، ولا كذلك القضاء ) فإنه يحصل في أي وقت كان فلم يكن الأمر به إذنا بالاستخلاف دلالة ( قوله : كل من ملك إلخ ) هو صريح في جواز استنابة الخطيب مطلقا أو كالصريح بحر ( قوله النجعة ) بضم النون وسكون الجيم طلب الكلإ في موضعه قاموس وهي هنا علم الكتاب ح ( قوله لابن جرباش ) بضم الجيم والراء ح وهو أحد شيوخ مشايخ صاحب البحر ( قوله إنما يشترط الإذن إلخ ) حاصله أن الإذن من السلطان إنما يشترط في أول مرة ، فإذا أذن بإقامتها لشخص كان له أن يأذن لغيره وذلك الغير له أن يأذن لآخر وهلم جرا ، وليس المراد أن السلطان إذا أذن بإقامتها في مسجد صار كل شخص أو كل خطيب مأذونا بأن يقيمها في ذلك المسجد بدون إذن

[ ص: 141 ] من السلطان أو من مأذونه كما يوهمه ظاهر كلامه ، ويدل على ذلك نص عبارة ابن جرباش التي نقلها عنه في البحر وهي قوله بعد كلام ; وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما يقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لإذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ، ولإذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه إلخ . وحاصله أنه لا تصح إقامتها إلا لمن أذن له السلطان بواسطة أو بدونها ، أما بدون ذلك فلا كما هو صريح ما يذكره الشارح عن السراجية ، نعم وقع في فتاوى ابن الشلبي ما يوهم ما أوهمه كلام الشارح حيث سئل عن ثغر فيه جوامع لها خطباء ليس لأحد منهم إذن صريح من السلطان مع علم السلطان بذلك الثغر وبإقامة الجمع والأعياد في جوامعه فهل يكون ذلك إذنا دلالة ؟ فأجاب بأن أمور المسلمين محمولة على السداد ، وقد جرت العادة بأن من بنى جامعا ، وأراد إقامة الجمعة استأذن الإمام فإذا وجد الإذن أول مرة فقد حصل به الغرض والإذن بعد ذلك ا هـ ملخصا لكن يمكن حمله على ما مر أي فلا يشترط إذن السلطان ثانيا بل كل خطيب له أن يستنيب للاكتفاء بالإذن أول مرة والله أعلم . ( قوله وما قيده الزيلعي ) أي من أنه لا يجوز له الاستخلاف إلا إذا أحدث قال في البحر لا دليل عليه والظاهر من عباراتهم الإطلاق . ا هـ .

قلت : وما ذكره الزيلعي تبعه عليه منلا خسرو صاحب الدرر كما قدمناه عنه لكنه ناقض نفسه حيث قال بعده : ولا ينبغي أن يصلي غير الخطيب لأن الجمعة مع الخطبة كشيء واحد فلا ينبغي أن يقيمها اثنان وإن فعل جاز ا هـ وهذا يكون باستخلاف الخطيب ، ثم قال أيضا خطب صبي بإذن السلطان وصلى بالغ جاز كذا في الخلاصة ا هـ قال الشرنبلالي في رسالته : فهذا نص منه على جواز الاستخلاف للصلاة قبل الشروع فيها من غير سبق الحدث كما قدمنا من النصوص بمثله ا هـ وفيه نظر سنذكره آخر الباب . [ تنبيه ]

أجاب بعضهم عن الزيلعي بأن كلامه مبني على القول بالاستنابة عند الضرورة وهذا عجيب فإن هذا القول لابن كمال باشا كما علمت والأقوال الثلاثة المذكورة في المتن ليست منقولة في المذهب بل هي اختلاف من المتأخرين بعدالزيلعي فكيف يبني كلامه على أحدها على أن اشتراط الاستنابة بالضرورة إنما هو للخطبة لا للصلاة كما قدمناه في عبارة ابن كمال والكلام هنا في الصلاة لأن سبق الحدث لا يستوجب الاستنابة في الخطبة لصحتها معه فافهم ( قوله وما ذكره منلا خسرو ) أي من أنه ليس له الاستنابة إلا إذا فوض إليه ذلك ح قلت : وهو القول الأول في المتن ( قوله رده ابن الكمال ) وكذا رده في شرح المنية والبحر والنهر والمنح والإمداد وغيره ( قوله بلا شرط ) أي بلا شرط الإذن من السلطان واستند في ذلك إلى أشياء منها ما في الخلاصة أن له أن يستخلف وإن لم يكن في منشور الإمامة الاستخلاف . ا هـ . قال في شرح المنية وعلى هذا عمل الأمة من غير نكير . ا هـ . نعم اشترط ابن كمال في هذه الرسالة لجواز الاستخلاف أن يكون لضرورة وهو القول الثاني في المتن كما قدمناه وبني على ذلك فساد ما يفعل في زماننا حيث يحضرون أي السلاطين في الجامع بلا عذر ويستخلفون الغير في إقامة الجمعة . ا هـ . وقد رد عليه الشرنبلالي في رسالة بما في التتارخانية عن المحيط : إمام خطب فتولى غيره وشهد الخطبة ولم يعزل [ ص: 142 ] الأول ولكن أمر رجلا أن يصلي الجمعة بالناس فصلى جاز لأنه لما شهد الخطبة فكأنما خطب بنفسه ولو أن القادم الذي تولى شهد خطبة الأول وسكت عنه حتى صلى بالناس وهو يعلم بقدومه فصلاته جائزة لأنه على ولايته ما لم يظهر العزل ا هـ قال فهذا نص في صحة صلاة الأصيل بحضرة نائبه لعلمه بعزله . ا هـ .

أقول : وفيه نظر لأن الأول ليس نائبا عنه بل هو باق على ولايته لأن قوله ما لم يظهر العزل معناه ما لم يعزله بالفعل وليس المراد به علمه بالعزل وإلا ناقض قوله قبله ، وهو يعلم بقدومه ، والأوضح في الرد ما في البدائع عن النوادر أنه يصير معزولا إذا علم بحضور الثاني ، وأن الثاني إذا أمر الأول بإتمام الخطبة يجوز وإلا بل سكت حتى أتمها أو حضر بعد فراغ الأول من الخطبة لا تجوز الجمعة لأنها خطبة سلطان معزول ، بخلاف ما إذا لم يعلم بحضور الثاني حتى خطب وصلى والأول ساكت لأنه لا يعزل إلا بالعلم كالوكيل ا هـ فهذا صريح في صحة الخطبة والصلاة من النائب بحضرة الأصيل . وذكر في منية المفتي : صلى أحد بغير إذن الخطيب لم يجز إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة ا هـ ومثله ما يذكره الشارح عن السراجية فتأمل ( قوله أنه ) أي الاستخلاف جائز مطلقا أي سواء كان لضرورة أو لا كما يعلم من عبارة مجمع الأنهر ح ( قوله إذن عام ) أي لكل خطيب أن يستنيب لا لكل شخص أن يخطب في أي مسجد أراد ح .

أقول : لكن لا يبقى إلى اليوم الإذن بعد موت السلطان الآذن بذلك إلا إذا أذن به أيضا سلطان زماننا نصره الله - تعالى - كما بينته في تنقيح الحامدية وسنذكر في باب العيد عن شرح المنية ما يدل عليه أيضا فتنبه ( قوله وعليه الفتوى ) لعل المراد فتوى أهل زمانه فليس ذلك تصحيحا معتبرا ; إذ ليسوا من أهل التصحيح




الخدمات العلمية