الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وذكر الشيخ تقي الدين في فتاويه إنه لا ينبغي أن يسلم على من لا يصلي ولا يجيب دعوته ، انتهى كلامه ، وقطع بعض أصحابنا أنه لا تجب إجابة من يجوز هجره .

وقطع جماعة منهم بأنه الذي لا تجب إجابته ، وحكاه في المغني عن الأصحاب ، وقال : إنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة فعلى مقتضى هذا التعليل لا تجب إجابة مسلم في ما له شبهة ولا سيما إذا كثرت ، ولا من لا يتحرز من النجاسة ، ويلابسها كثيرا ، وقد سئل أحمد عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون ، فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك ؟ فقال : أرجو أن لا يأثم إن لم يجب ، وإن أجاب فأرجو أن لا يكون آثما .

وقال في المغني بعد ذكره لهذا النص : فأسقط الوجوب لإسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر ولم يمنع من الإجابة لكون المجيب لا يرى منكرا ولا يسمعه وقال أحمد أيضا : إنما تجب الإجابة إذا كان المكتسب طيبا ولم ير منكرا ، وهذا يؤيد ما تقدم من مقتضى كلامه في المغني وقال في المغني بعد ذكره لهذا النص : فعلى هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكتسب خبيث ; لأن اتخاذه منكر والأكل منه منكر ، فهو أولى بالامتناع ، وإن حضر لم يأكل .

وقال صالح لأبيه : ما تقول في رجل شرب الخمر يدعوني إلى غذائه وعشائه أجيبه ، وأجالسه قال : تأمره وتنهاه فإن كان كسبه كسبا طيبا وعصى الله في بعض أمره يدعو لا يجاب .

وقال المروذي : قيل لأبي عبد الله وأنا شاهد : الرجل يكون في القرية أو الرستاق وسئل عن الشيء من العلم [ ص: 297 ] فأهدي له الثمار وربما استعان بقوم يعملون في أرضه فقال : إن كان يكافئ وإلا فلا يقبل .

وقال إسحاق بن إبراهيم : سئل أبو عبد الله عن الرجل يهدى إليه الشيء أفترى أن يقبل ؟ فقال : قد { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب } ، أرى له إن هو قبل أن يثيب .

وذكر إسحاق في الأدب من مسائله أن إنسانا أهدى لأبي عبد الله مرة شيئا ما يساوي ثلاثة دراهم قال : فأعطاني دينارا . فقال : اذهب فاشتر بعشرة دراهم سكرا وبتسعة دراهم تمرا برنيا واذهب به إليه ، ففعلت ، فقال اذهب به إليه بالليل . ولأحمد وغيره كلام كثير في قبول الهدية وقد ذكرته وبعض الأخبار فيه في موضع آخر .

وقال ابن عبد البر قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة .

وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نعم العون الهدية على طلب الحاجة وقال الهيثم بن عدي وهو وإن كان كذابا متروكا فإنه إخباري علامة فقال : يقال : ما ارتضي الغضبان ، ولا استعطف السلطان ، ولا سلت السخائم ، ولا دفعت المغارم ، ولا توقي المحذور ، ولا استميل المهجور ، بمثل الهدية والبر وقال ابن عبد البر : وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { تجاوزوا وتزاوروا وتهادوا ، فإن الهدية تثبت المودة وتسل السخيمة } قال الشاعر :

هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصالا     وتزرع في الضمير هوى وودا
وتلبسهم إذا حضروا جمالا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية