الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين

ابتداء كلام هو جواب عن قول بعض المستأذنين منهم في التخلف " وأنا أعينك بمالي " . روي أن قائل ذلك هو الجد بن قيس ، أحد بني سلمة ، الذي نزل فيه قوله - تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني كما تقدم ، وكان منافقا . وكأنهم قالوا ذلك مع شدة شحهم لأنهم ظنوا أن ذلك يرضي النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن قعودهم عن الجهاد .

وقوله : ( طوعا أو كرها ) أي بمال تبذلونه عوضا عن الغزو ، أو بمال تنفقونه طوعا مع خروجكم إلى الغزو ، فقوله : طوعا إدماج لتعميم أحوال الإنفاق في عدم [ ص: 226 ] القبول فإنهم لا ينفقون إلا كرها لقوله - تعالى - بعد هذا ولا ينفقون إلا وهم كارهون

والأمر في أنفقوا للتسوية أي : أنفقوا أو لا تنفقوا ، كما دلت عليه أو في قوله : طوعا أو كرها وهو في معنى الخبر الشرطي لأنه في قوة أن يقال : لن يتقبل منكم إن أنفقتم طوعا أو أنفقتم كرها ، ألا ترى أنه قد يجيء بعد أمثاله الشرط في معناه كقوله - تعالى : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم .

والكره أشد الإلزام ، وبينه وبين الطوع مراتب تعلم إرادتها بالأولى ، وانتصب طوعا أو كرها على النيابة عن المفعول المطلق بتقدير : إنفاق طوع أو إنفاق كره . ونائب فاعل " يتقبل " : هو " منكم " أي لا يتقبل منكم شيء وليس المقدر الإنفاق المأخوذ من أنفقوا بل المقصود العموم .

وجملة إنكم كنتم قوما فاسقين في موضع العلة لنفي التقبل ، ولذلك وقعت فيها إن المفيدة لمعنى فاء التعليل ; لأن الكافر لا يتقبل منه عمل البر . والمراد بالفاسقين : الكافرون ، ولذلك أعقب بقوله : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله . وإنما اختير وصف الفاسقين دون الكافرين لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، فكانوا كالمائلين عن الإسلام إلى الكفر . والمقصود من هذا تأييسهم من الانتفاع بما بذلوه من أموالهم ، فلعلهم كانوا يحسبون أن الإنفاق في الغزو ينفعهم على تقدير صدق دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم ، وهذا من شكهم في أمر الدين ، فتوهموا أنهم يعملون أعمالا تنفع المسلمين يجدونها عند الحشر على فرض ظهور صدق الرسول . ويبقون على دينهم فلا يتعرضون للمهالك في الغزو ولا للمشاق ، وهذا من سوء نظر أهل الضلالة كما حكى الله - تعالى - عن بعضهم أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا إذ حسب أنه يحشر يوم البعث بحالته التي كان فيها في الحياة إذا صدق إخبار الرسول بالبعث .

التالي السابق


الخدمات العلمية