الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5892 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن معه يدعي الإسلام : ( هذا من أهل النار ) فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال ، وكثرت به الجراح ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت الذي تحدث أنه من أهل النار ، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال : ( أما إنه من أهل النار ) فكاد بعض الناس يرتاب ، فبينما هو على ذلك إذ وجد .

الرجل ألم الجراح ، فأهوى بيده إلى كنانته ، فانتزع سهما فانتحر بها ، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! صدق الله حديثك ، قد انتحر فلان وقتل نفسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ، يا بلال قم فأذن : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
رواه البخاري .

التالي السابق


5892 - ( وعن أبي هريرة قال : شهدنا ) أي : حضرنا ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ) أي : في حقه وشأنه ( ممن يدعي الإسلام ) : حال أو استئناف بيان . قال النووي : اسم الرجل قرمان قاله الخطيب البغدادي وكان من المنافقين . كذا في جامع الأصول ( هذا من أهل النار ) : مقول للقول ( فلما حضر القتال ) ، أي : وقته ( قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح ) ، بكسر الجيم جمع الجراحة على ما في القاموس ( فجاء رجل ) أي : متعجبا ( فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدث ) أي : أخبرني عن حال من أخبرت ( عنه أنه من أهل النار ، فإنه قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح ) ؟ أي : وظاهر حاله أنه من أهل الجنة لأنه قاتل في سبيل الله أشد القتال ، فرد عليه ( فقال : أما إنه من أهل النار ) أي : القول ما قلت لك ، وإن ظهر لك خلافه ، لأنه لا عبرة بصورة الأعمال ، وإنما المدار على حسن الأحوال وخاتمة الآمال ( فكاد ) أي : قرب ( بعض الناس ) أي : بعض المسلمين ممن له ضعف في الدين ، وقلة معرفة بعلم اليقين ( يرتاب ) أي : يشك في أمره ، لقوله : إنه من أهل النار . ( فبينما هو ) أي : الرجل ( على ذلك ) : أي : ما ذكر من مبهم الحال ( إذ وجد [ ص: 3794 ] الرجل ألم الجراح ، فأهوى بيده ) أي : قصد ومال ( إلى كنانته ) : بكسر أوله أي : إلى جعبته وهي ظرف سهمه ( فانتزع سهما ) أي : فأخرجه ( فانتحر ) أي : نحر نفسه ( بها ) . أي : بالمعبلة التي هي مركبة في السهم وهي كمكنسة نصل عريض طويل على ما في القاموس ، والحاصل أنه مات كافرا لخبث باطنه ، أو فاسقا بقتل نفسه ، ( فاشتد رجال من المسلمين ) أي : عدوا وأسرعوا قاصدين ومتوجهين ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! صدق الله حديثك ) ، بتشديد الدال في أكثر النسخ أي : حققه ، وفي نسخة بتخفيفها أي : صدق الله في إخبارك المطابق للواقع ( قد انتحر فلان وقتل نفسه ) . عطف تفسير وبيان ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الله أكبر ، أشهد أني عبد الله ورسوله ) ، قال شارح : هذا كلام يقال عند الفرح فرح عليه السلام حين ظهر صدقه . وقال الطيبي : محتمل تعجبا وفرحا لوقوع ما أخبر عنه ، فعظم الله تعالى حمدا وشكرا لتصديق قوله : وأن يكون كسرا للنفس وعجبها ، حتى لا يتوهم أنه من عنده وينصره قوله : إني عبد الله ( يا بلال قم فأذن ) أي : فأعلم الناس ( لا يدخل الجنة إلا مؤمن ) أي : خالص احترازا عن المنافقين ، أو مؤمن كامل ، فالمراد دخولها مع الفائزين دخولا أوليا غير مسبوق بعذاب . ( وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) . أي : المنافق أو الفاسق ممن يعمل رياء أو يخلط به معصية ، وربما يكون عملا به سوء الخاتمة ، نسأل الله العافية ، والجملة يحتمل أن تكون داخلة تحت التأذين ، أو استئناف بيان لاختلاف أحوال القائلين . ومن نظائره من يصنف أو يدرس أو يعلم أو يتعلم أو يؤذن أو يؤم أو يأتم وأمثال ذلك ، كمن يبني مسجدا أو مدرسة أو زاوية لغرض فاسد وقصد كاسد مما يكون سببا لنظام الدين وقوام المسلمين ، وصاحبه من جملة المحرومين ، جعلنا الله تعالى من المخلصين بل من المخلصين . ( رواه البخاري ) : وكذا مسلم . وفي الجامع : ( إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ) رواه النسائي ، وابن حبان ، عن أنس ، وأحمد والطبراني ، عن أبي بكرة . وفي رواية للطبراني ، عن ابن عمر بلفظ : " إن الله تعالى ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله " .




الخدمات العلمية